الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .

تفريع على ما شاهدوا من الآيات وما أفيض عليهم من الرزق ، وعلى أنهم المرجوون للتذكير ، أي إذ كنتم بهذه الدرجة فادعوا الله مخلصين ، ففي الفاء معنى الفصيحة كما تقدم في قوله ( وما يتذكر إلا من ينيب ) .

[ ص: 105 ] والمعنى : أن الله أراكم آياته وأنزل لكم الرزق وما يتذكر إلا المنيبون وأنتم منهم فادعوا الله مخلصين لتوفير دواعي تلك العبادة .

والدعاء هنا : الإعلان وذكر الله ونداؤه ويشمل الدعاء بمعنى سؤال الحاجة شمول الأعم للأخص ، وتقدم آنفا أن الدعاء يطلق على العبادة .

والأمر مستعمل في طلب الدوام لأن المؤمنين قد دعوا الله مخلصين له ، فالمقصود : دوموا على ذلك ولو كره الكافرون ، لأن كراهية الكافرين ذلك من المؤمنين تكون سببا لمحاولتهم صرفهم عن ذلك بكل وسيلة يجدون إليها سبيلا فيخشى ذلك أن يفتن فريقا من المؤمنين ، فالكراهية كناية عن المقاومة والصد لأنهما لازمان للكراهية لأن شأن الكاره أن لا يصبر على دوام ما يكرهه ، فالأمر بقوله ( فادعوا الله مخلصين ) إلى نحو الأمر في قوله ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) .

وإظهار اسم الجلالة في قوله ( فادعوا الله ) لأن الكلام تفريع لاستجداد غرض آخر فجعل مستقلا عما قبله .

وتقدم تفسير ( مخلصين له الدين ) في تفسير قوله فاعبد الله مخلصا له الدين أول سورة الزمر .

وجملة ( ولو كره الكافرون ) في موضع الحال من فاعل ( ادعوا ) .

و ( لو ) وصلية تفيد أن شرطها أقصى ما يكون من الأحوال التي يراد تقييد عامل الحال بها ، أي اعبدوه في كل حال حتى في حال كراهية الكافرين ذلك لأن كراهية الكافرين ذلك والمؤمنون بين ظهرانيهم وفي بلاد سلطان الكافرين مظنة لأن يصدهم ذلك عن دعاء الله مخلصين له الدين . وهذا في معنى قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وقد تقدم تفصيل ( لو ) هذه عند قوله فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به في سورة آل عمران .

التالي السابق


الخدمات العلمية