الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( كهيعص ( 1 ) ) .

قد ذكرنا الكلام على الحروف المقطعة في أول البقرة فليتأمل من ثم .

قوله تعالى : ( عص ) : يقرأ بإخفاء النون عند الصاد لمقاربتها إياها واشتراكهما في الفهم .

ويقرأ بإظهارها ; لأن الحروف المقطعة يقصد تمييز بعضها عن بعض إيذانا بأنها مقطعة ; ولذلك وقف بعضهم على كل حرف منها وقفة يسيرة ، وإظهار النون يؤذن بذلك .

قال تعالى : ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا ( 2 ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( ذكر رحمة ربك ) : في ارتفاعه ثلاثة أوجه ; أحدها : هو خبر مبتدأ محذوف ; أي هذا ذكر . والثاني : هو مبتدأ والخبر محذوف ; أي فيما يتلى عليك ذكر . والثالث : هو خبر الحروف المقطعة ، ذكره الفراء ، وفيه بعد ; لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى ; وليس في الحروف المقطعة ذكر الرحمة ، ولا في ذكر الرحمة معناها .

و ( ذكر ) : مصدر مضاف إلى المفعول ، والتقدير : هذا إن ذكر ربك رحمة عبده .

[ ص: 164 ] وقيل : هو مضاف إلى الفاعل على الاتساع . والمعنى : هذا إن ذكرت رحمة ربك ; فعلى الأول ينتصب عبده برحمة ، وعلى الثاني بذكر .

ويقرأ في الشاذ : " ذكر " على الفعل الماضي ، و " رحمة " مفعول ، و " عبده " فاعل .

و ( زكريا ) : بدل على الوجهين من " عبده " .

ويقرأ بتشديد الكاف ، و " رحمة " و " عبده " بالنصب ; أي هذا القرآن ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ، أو الأمة .

و ( إذ ) : ظرف للرحمة ، أو لذكر .

قال تعالى : ( قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( شيبا ) : نصب على التمييز . وقيل : هو مصدر في موضع الحال . وقيل : هو منصوب على المصدر من معنى " اشتعل " لأن معناه شاب .

و ( بدعائك ) : مصدر مضاف إلى المفعول ; أي بدعائي إياك .

قال تعالى : ( وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( خفت الموالي ) : فيه حذف مضاف ; أي عدم الموالي ، أو جور الموالي .

ويقرأ خفت - بالتشديد وسكون التاء - والموالي فاعل ; أي نقص عددهم .

والجمهور على المد وإثبات الياء في " ورائي " . ويقرأ بالقصر وفتح الياء ، وهو من قصر الممدود .

قال تعالى : ( يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ( 6 ) يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( يرثني ) : يقرأ بالجزم فيهما على الجواب ; أي إن يهب يرث ، وبالرفع فيهما على الصفة لولي ، وهو أقوى من الأولى ; لأنه سأل وليا هذه صفته ، والجزم لا يحصل بهذا المعنى .

[ ص: 165 ] وقرئ شاذا : يرثني وارث ، على أنه اسم فاعل .

و ( رضيا ) : أي مرضيا . وقيل : راضيا ; ولام الكلمة واو ، وقد تقدم .

و ( سميا ) : فعيل بمعنى مساميا ، ولام الكلمة واو ، من سما يسمو .

قال تعالى : ( قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( عتيا ) : أصله عتو على فعول ، مثل قعود وجلوس ، إلا أنهم استثقلوا توالي الضمتين والواوين ، فكسروا التاء ، فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، ثم قلبت الواو التي هي لام ياء لسبق الأولى بالسكون .

ومنهم من يكسر العين إتباعا .

ويقرأ بفتحها ، على أنها مصدر على فعيل ، وكذلك بكي وصلي ; وهو منصوب ببلغت ; أي بلغت العتي من الكبر ; أي من أجل الكبر ; ويجوز أن تكون حالا من عتي ، وأن تتعلق ببلغت .

وقيل : " من " زائدة ، و " عتيا " مصدر مؤكد ، أو تمييز ، أو مصدر في موضع الحال من الفاعل .

قال تعالى : ( قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( قال كذلك ) : أي الأمر كذلك .

وقيل : هو في موضع نصب ; أي أفعل مثل ما طلبت ، وهو كناية عن مطلوبه .

قال تعالى : ( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( سويا ) : حال من الفاعل في " تكلم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية