الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن وقع في القبر مال لآدمي فطالب به صاحبه نبش القبر ، لما روي " أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 269 ] فقال : خاتمي ، ففتح موضع فيه فأخذه وكان يقول : أنا أقربكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم " ولأنه يمكن رد المال إلى صاحبه من غير ضرر فوجب رده عليه ، وإن بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة ، وإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان ( أحدهما ) يشق لأنها صارت للورثة ، فهي كجوهرة الأجنبي ( والثاني ) لا يجب لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها الورثة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث المغيرة ضعيف غريب ، قال الحاكم أبو أحمد وهو شيخ الحاكم أبي عبد الله : لا يصح هذا الحديث ، ويقال : خاتم - بفتح التاء وكسرها - وخاتام وختام ، وقوله : بلع - بكسر اللام ، يقال : بلع يبلع كشرب يشرب ، قال أصحابنا : إذا وقع في القبر مال نبش وأخرج ، سواء كان خاتما أو غيره قليلا أو كثيرا هكذا أطلقه أصحابنا ، وقيده المصنف بما إذا طلبه صاحبه ، ولم يوافقوه على التقييد وهذا الذي ذكرناه من النبش هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب في كل طرقهم ، وانفرد صاحب العدة بحكاية وجه أنه لا ينبش ، قال : وهو مذهب أبي حنيفة ، وهذا الوجه غلط .



                                      أما إذا بلع جوهرة لغيره أو غيرها فطريقان ( الصحيح ) منهما - وبه قطع المصنف والأصحاب في معظم الطرق - أنه إذا طلبها صاحبها شق جوفه وردت إلى صاحبها والطريق الثاني فيه وجهان ممن حكاه المتولي والبغوي والشاشي ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يشق ، بل يجب قيمتها في تركته ، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كسر عظم الميت ككسره حيا } رواه أبو داود بإسناد صحيح إلا رجلا واحدا ، وهو سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى بن سعيد الأنصاري فضعفه أحمد بن حنبل : ووثقه الأكثرون ، وروى له مسلم في صحيحه وهو كاف في الاحتجاج به ، ولم يضعفه أبو داود مع قاعدته التي قدمنا بيانها . قالوا : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن كسر العظم ، وشق الجوف في الحياة لا يجوز لاستخراج جوهرة وغيرها ، فكذا بعد الموت ، وحكى الرافعي عن أبي المكارم صاحب العدة وهو غير صاحب العدة أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري الإمام المشهور ، الذي ينقل عنه صاحب البيان [ ص: 270 ] وأطلقه أنا في هذا الشرح أنه قال : يشق جوفه إلا أن يضمن الورثة قيمته أو مثله فلا يشق في أصح الوجهين وهذا النقل غريب ، والمشهور للأصحاب إطلاق الشق من غير تفصيل .

                                      أما إذا بلع جوهرة لنفسه فوجهان مشهوران ، ذكر المصنف دليلهما قل من بين الأصح منهما مع شهرتهما فصحح الجرجاني في الشافي والعبدري في الكفاية الشق وقطع المحاملي في المقنع بأنه لا يشق ، وصححه القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد ، قال الشيخ أبو حامد في التعليق : وقول الأول أنها صارت للوارث غلط لأنها إنما تصير للوارث إذا كانت موجودة ، فأما المستهلكة فلا وهذه مستهلكة . وأجاب الأول عن هذا بأنها لو كانت مستهلكة لما شق جوفه بجوهرة الأجنبي وحيث قلنا : يشق جوفه وتخرج ، فلو دفن قبل الشق ، نبش لذلك والله أعلم . هذا تفصيل مذهبنا ، وقال أبو حنيفة وسحنون المالكي : يشق مطلقا . وقال أحمد وابن حبيب المالكي : لا يشق .




                                      الخدمات العلمية