الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله : ( ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم ) .

[ ص: 746 ] ش : المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة ، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين [ كالإمام أحمد بن حنبل وغيره ويسمونها الآيات ] . ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما ، فيجعلون المعجزة للنبي ، والكرامة للولي . وجماعهما : الأمر الخارق للعادة .

فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة : العلم ، والقدرة ، والغنى . وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده ، فإنه الذي أحاط بكل شيء علما ، وهو على كل شيء قدير ، وهو غني عن العالمين . ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله : قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي [ الأنعام : 50 ] .

وكذلك قال نوح عليه السلام ، فهذا أول أولي العزم ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، وهذا خاتم الرسل ، وخاتم أولي العزم ، وكلاهما تبرأ من ذلك ، وهذا لأنهم يطالبونهم :

تارة بعلم الغيب ، كقوله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها [ النازعات : 42 ]

وتارة بالتأثير ، كقوله تعالى : " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات [ الإسراء : 90 ] .

وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية ، كقوله تعالى : " وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق الآية [ الفرقان : 7 ] .

[ ص: 747 ] فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك ، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ، فيعلم ما علمه الله إياه ، ويستغني عما أغناه عنه ، ويقدر على ما أقدره عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة ، أو لعادة أغلب الناس . فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الأنواع .

ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين ، كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا ، إما واجب أو مستحب ، وإن حصل به أمر مباح ، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا ، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه ، كان سببا للعذاب أو البغض ، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها : بلعام بن باعورا ، لاجتهاد أو تقليد ، أو نقص عقل أو علم ، أو غلبة حال ، أو عجز أو ضرورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية