الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( المستحب أن يعمق القبر قدر قامة وبسطة ، لما روي أن عمر رضي الله عنه " أوصى أن يعمق القبر قدر قامة وبسطة " ويستحب أن يوسع من قبل رجليه ورأسه ، لما روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال للحافر أوسع من قبل رأسه ، وأوسع من قبل رجليه } فإن كانت الأرض صلبة ألحد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : اللحد لنا والشق لغيرنا } وإن كانت رخوة شق الوسط ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث " { أوسع من قبل رأسه وأوسع من قبل رجليه } رواه أبو داود في كتاب البيوع من سننه ، والبيهقي في الجنائز وغيرهما من رواية عاصم بن كليب بن شهاب عن أبيه ، وهو تابعي عن رجل من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية هشام بن عامر رضي الله عنهما أن { النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم أحد : احفروا وأوسعوا وأعمقوا } قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وأما حديث " اللحد لنا والشق لغيرنا " فرواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم من رواية ابن عباس ، وإسناده ضعيف ، لأن مداره على عبد الأعلى بن عامر وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ورواه الإمام أحمد بن حنبل وابن ماجه أيضا من رواية جرير بن عبد الله البجلي وإسناده أيضا ضعيف ، وفي رواية لأحمد في حديث جرير { والشق لأهل الكتاب } ويغني عنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه { أنه قال في مرضه الذي مات فيه : ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه مسلم في صحيحه .

                                      قال أهل اللغة : يقال : لحدت للميت وألحدت له لغتان ، وفي اللحد لغتان - فتح اللام وضمها - وهو أن يحفر في حائط من أسفله إلى ناحية القبلة [ ص: 251 ] قدر ما يوضع الميت فيه ويستره ، والشق - بفتح الشين - أن يحفر إلى أسفل كالنهر وقوله : يعمق هو بالعين المهملة ، وقوله : رخوة - بكسر الراء وفتحها - والكسر أفصح وأشهر .

                                      ( أما الأحكام ) ففيه مسائل : ( إحداها ) يستحب أن يعمق القبر لحديث هشام بن عامر الذي ذكرناه ، ويستحب أن يكون عمقه قامة وبسطة لما ذكره المصنف . هذا هو المشهور الذي قطع به الأصحاب في كل طرقهم ، إلا وجها حكاه الرافعي وغيره أنه قامة بلا بسطة ، وهذا شاذ ضعيف ، ومعنى القامة والبسطة أن يقف فيه رجل معتدل القامة ويرفع يديه إلى فوق رأسه ما أمكنه . وقدر أصحابنا القامة والبسطة بأربع أذرع ونصف . هذا هو المشهور في قدرهما ، وبه قطع الجمهور في مصنفاتهم ، ونقله صاحب البيان عن الأصحاب ، وقطع المحاملي في المجموع بأنهما ثلاث أذرع ونصف ، وبهذا جزم الرافعي ، وهو شاذ مردود ، وعجب من جزم الرافعي به وإعراضه عما جزم به الجمهور ; وهو أربعة أذرع ونصف ، وممن جزم بأربع أذرع ونصف البندنيجي وصاحب الشامل والباقون . وقد سبق أن صاحب البيان نقله عن الأصحاب .

                                      وذكر الشافعي والشيخ أبو حامد والأصحاب لاستحباب تعميقه ثلاث فوائد أن لا ينبشه سبع ولا تظهر رائحته ، وأن يتعذر أو يتعسر نبشه على من يريد سرقة كفنه ، وأما أقل ما يجزئ من الدفن فقال إمام الحرمين والغزالي ، والرافعي وغيرهم رحمهم الله : أقله حفرة تكتم رائحة الميت ، ويعسر على السباع غالبا نبشه ، والوصول إلى الميت .



                                      ( الثانية ) يستحب أن يوسع القبر من قبل رجليه ورأسه .



                                      ( الثالثة ) أجمع العلماء أن الدفن في اللحد وفي الشق جائزان ، لكن إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل ، لما سبق من الأدلة ، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل . قال الشافعي في الأم وأصحابنا : فإن اختار الشق حفر حفيرة كالنهر وبنى جانبيها باللبن أو غيره ، وجعل بينهما شقا يوضع فيه الميت ويسقف عليه باللبن أو الخشب أو غيرهما ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت ، ويجعل في شقوقه قطع اللبن ، قال الشافعي في [ ص: 252 ] الأم : ورأيتهم عندنا ، يعني في مكة شرفها الله يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب ، وهذا الذي ذكرته من صفة الشق واللحد نص عليه الشافعي في الأم ، واتفق عليه الأصحاب .



                                      ( فرع ) : قال المصنف في الفصل الثاني لما بعد هذا : وسائر الأصحاب يكره أن يدفن الميت في تابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ، قالوا : ولا تنفذ وصيته به إلا في مثل هذا الحال ، قالوا : ويكون التابوت من رأس المال صرح به البغوي وغيره ، وهذا الذي ذكرناه من كراهة التابوت مذهبنا ومذهب العلماء كافة وأظنه إجماعا ، قال العبدري رحمه الله : لا أعلم فيه خلافا يعني لا خلاف فيه بين المسلمين كافة والله أعلم .



                                      ( فرع ) : في مذاهب العلماء في تعميق القبر قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب تعميقه قامة وبسطة ، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب ، وعن عمر بن عبد العزيز والنخعي أنهما قالا : يعمق إلى السرة ، قال : واستحب مالك رحمه الله أنه لا يعمق جدا ولا يقرب من أعلاه والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية