الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 182 ] قالوا حديثان متناقضان .

        14 - تفضيل النبي .

        قالوا : رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تفضلوني على يونس بن متى ولا تخايروا بين الأنبياء ثم رويتم أنه قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، ولا فخر قالوا : وهذا اختلاف وتناقض .

        قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس هاهنا اختلاف ولا تناقض ، وإنما أراد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة ، لأنه الشافع يومئذ والشهيد ، وله لواء الحمد والحوض ، وهو أول من تنشق عنه الأرض . وأراد بقوله لا تفضلوني على يونس من طريق التواضع .

        وكذلك قول أبي بكر - رضي الله عنه - : " وليتكم ولست بخيركم " . وخص يونس ؛ لأنه دون غيره من الأنبياء ، مثل إبراهيم وموسى وعيسى - صلى الله عليهم وسلم أجمعين - . يريد فإذا كنت لا أحب أن أفضل على يونس فكيف غيره ممن هو فوقه ؟ [ ص: 183 ] وقد قال الله تعالى : فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت أراد : أن يونس لم يكن له صبر كصبر غيره من الأنبياء .

        وفي هذه الآية ما دلك على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه لأن الله تعالى يقول له لا تكن مثله . وذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله : لا تفضلوني عليه ، طريق التواضع ، ويجوز أن يريد : لا تفضلوني عليه في العمل ، فلعله أكثر عملا مني ، ولا في البلوى والامتحان فإنه أعظم مني محنة .

        وليس ما أعطى الله تعالى نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة من السؤدد والفضل على جميع الأنبياء والرسل بعمله ، بل بتفضيل الله تعالى إياه ، واختصاصه له وكذلك أمته أسهل الأمم محنة .

        بعثه الله تعالى إليها بالحنيفية السهلة ، ووضع عنها الإصر والأغلال التي كانت على بني إسرائيل في فرائضهم ، وهي مع هذا خير أمة أخرجت للناس بفضل الله تعالى .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية