الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن سبق إلى المقبرة فهو بالخيار ، إن شاء قام حتى توضع الجنازة ، وإن شاء قعد ، لما روى علي رضي الله عنه قال { : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود } ) .

                                      [ ص: 241 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 241 ] الشرح ) حديث علي رضي الله عنه صحيح ، رواه مسلم في صحيحه بمعناه ، قال { قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في الجنازة ثم قعد } وفي رواية لمسلم أيضا { قام فقمنا وقعد فقعدنا } ورواه البيهقي من طرق كثيرة في بعضها كما رواه مسلم ، وفي بعضها كما وقع في المهذب بحروفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قام مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ، ثم قعد وأمرهم بالقعود } وفي رواية أن عليا رضي الله عنه { رأى ناسا قياما ينتظرون الجنازة أن توضع فأشار إليهم بدرة معه أو سوط : أن اجلسوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس بعد ما كان يقوم } وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في سبب القعود قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد ، فمر حبر من اليهود فقال : هكذا نفعل ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اجلسوا خالفوهم } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ، وإسناده ضعيف . أما حكم المسألة : فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمر بالقيام لمن مرت به جنازة حتى تخلفه أو توضع وأمر من تبعها أن لا يقعد عند القبر حتى توضع } ثم اختلف العلماء في نسخه ، فقال الشافعي وجمهور أصحابنا : هذان القيامان منسوخان فلا يؤمر أحد بالقيام اليوم ، سواء مرت به أم تبعها إلى القبر ، ثم قال المصنف وجماعة : هو مخير بين القيام والقعود ، وقال آخرون من أصحابنا : يكره القيام لها إذا لم يرد المشي معها ، ممن صرح بكراهته سليم الرازي في الكفاية والمحاملي وصاحب العدة والشيخ نصر المقدسي ، قال المحاملي في المجموع : القيام للجنازة مكروه عندنا وعند الفقهاء كلهم قال : وحكي عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه كان يقوم لها ، وخالف صاحب التتمة الجماعة فقال : يستحب لمن مرت به جنازة أن يقوم لها ، وإذا كان معها لا يقعد حتى توضع ، وهذا الذي قاله صاحب التتمة هو المختار ، فقد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام ، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي رضي الله عنه وهو ليس صريحا في النسخ ، بل ليس فيه نسخ لأنه محتمل القعود لبيان الجواز والله أعلم . [ ص: 242 ] فرع ) : في مذاهب العلماء في ذلك . قد ذكرنا مذهبنا في ذلك وبه قال مالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : يكره له القعود حتى توضع الجنازة ، وبه قال الشعبي والنخعي وداود .




                                      الخدمات العلمية