الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      باب حمل الجنازة والدفن قال المصنف رحمه الله تعالى : ( يجوز حمل الجنازة بين العمودين ، وهو أن يجعل الحامل رأسه بين عمودي مقدمة النعش ويجعلهما على كاهله ، ويجوز الحمل من الجوانب الأربعة ، فيبدأ بياسرة المقدمة فيضع العمود على عاتقه الأيمن ، ثم يجيء إلى ياسرة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيمن ، ثم يأخذ يامنة المقدمة فيضع العمود على عاتقه الأيسر ، ثم يجيء إلى يامنة المؤخرة فيضع العمود على عاتقه الأيسر ، والحمل بين العمودين أفضل ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم حمل سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين } ; ولأنه روي ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن الزبير رضي الله عنهم ) .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 232 ] الشرح ) حديث حمل سعد بن معاذ رضي الله عنه ذكره الشافعي في المختصر والبيهقي في كتاب المعرفة وأشار إلى تضعيفه ، والآثار المذكورة عن الصحابة رضي الله عنهم رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إلا الأثر عن سعد بن أبي وقاص فصحيح والله أعلم . والمقدمة بفتح الدال وكسرها والكسر أفضل ، واليامنة والياسرة بكسر الميم والسين ، والكاهل ما بين الكتفين . قال أصحابنا رحمهم الله : لحمل الجنازة كيفيتان : ( إحداهما ) بين العمودين ، وهو أن يتقدم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمودان على عاتقيه ، والخشبة المعترضة بينهما على كاهله ، ويحمل مؤخر النعش رجلان : أحدهما من الجانب الأيمن والآخر من الأيسر ، ولا يتوسط الخشبتين الشاخصتين المؤخرتين واحد ; لأنه لو توسط لم ير ما بين قدميه بخلاف المقدمتين . قال أصحابنا فإن لم يستقل المتقدم بالحمل أعانه آخران خارج العمودين يضع كل واحد منهما على عاتقه ، فتكون الجنازة محمولة بخمسة .

                                      ( والكيفية الثانية ) : التربيع ، وهو أن يتقدم رجلان فيضع أحدهما العمود الأيمن على عاتقه الأيسر ، ويضع الآخر العمود الأيسر على عاتقه الأيمن . وكذلك يحمل العمودين اللذين في آخرها رجلان فتكون الجنازة محمولة بأربعة . قال الشافعي رحمه الله والأصحاب رحمهم الله : من أراد التبرك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة بدأ بالعمود الأيسر من مقدمها فحمله على عاتقه الأيمن ثم يسلمه إلى غيره ويأخذ العمود الأيسر من مؤخرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضا ثم يتقدم أيضا فيمر بين يديها ولا يجيء من ورائها ; لئلا يكون ماشيا من خلفها فيأخذ العمود الأيمن من مقدمها على عاتقه الأيسر ، ثم يأخذ العمود الأيمن من مؤخرها على عاتقه الأيسر أيضا ، ولا يمكنه هذا إلا إذا حملت الجنازة على هيئة التربيع . قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : وكل واحدة من كيفية التربيع والحمل بين العمودين جائزة بلا خلاف ، وأيهما أفضل ؟ فيه ثلاثة أوجه : ( الصحيح ) : الذي قطع به المصنف والجمهور الحمل [ ص: 233 ] بين العمودين أفضل ( والثاني ) : التربيع أفضل ، حكاه إمام الحرمين وقال : هو ضعيف لا أصل له ، وهو مذهب أبي حنيفة .

                                      ( والثالث ) : هما سواء في الفضيلة حكاه الرافعي رحمه الله . هذا إذا أراد الاقتصار على إحداهما ، فأما الأفضل مطلقا فهو الجمع بين الكيفيتين ، نص عليه الشافعي في الأم ، ورأيت نصه في الأم ، ونقله الشيخ أبو حامد أيضا وغيره .

                                      وصرح به أبو حامد والبندنيجي والمحاملي في كتبه الثلاثة ، والمصنف في التنبيه والجرجاني في التحرير ، والشيخ نصر المقدسي وصاحب العدة والشاشي وآخرون . ثم صفة الجمع بين الكيفيتين ما أشار إليه صاحب الحاوي في قوله : السنة أن يحمل الجنازة خمسة ، أربعة من جوانبها وواحد بين العمودين . وكذا صرح به غيره . وقال الرافعي وغيره : صفة الجمع بينهما أن يحمل تارة كذا وتارة كذا ، فالحاصل أن الكيفيتين جائزتان والجمع بينهما أفضل من الاقتصار على إحداهما ، فإن اقتصر فالحمل بين العمودين أفضل . من التربيع على الصحيح ، وفيه الوجهان : الآخران . وكلام المصنف في التنبيه صريح في بيان المسألة على ما ذكرناه ، وكلامه هنا يتأول على ذلك ، فقوله : الحمل بين العمودين أفضل - يعني إن اقتصر - ولم يذكر حكم الأفضل مطلقا . ثم إنه لم يوضح صورة التربيع على وجهها ، وخلط صفة التربيع بمسألة من أراد التبرك بحملها من الجوانب كلها ، وصواب المسألة ما أوضحناه أولا . قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : ولو حمل النعش على رأسه لم يكن حاملا بين العمودين ، وهو كما قال : وهذا الذي قدمناه من أن صفة الحمل بين العمودين أن يحملها ثلاثة ، اثنان من مؤخرها وواحد من مقدمها هو الصحيح المعروف الذي قطع به الأصحاب في جميع الطرق ، وصرحوا بأنه لا يكون إلا بثلاثة إلا الدارمي ومن وافقه ، فإنه حكي في الاستذكار عن أبي إسحاق المروزي رحمه الله أنه يحصل باثنين ، وهذا شاذ مردود والله أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في كيفية حمل الجنازة قد ذكرنا أن الحمل بين العمودين أفضل من التربيع عندنا ، وبه قال أبو ثور وابن المغلس الداودي . وقال الحسن البصري والنخعي والثوري [ ص: 234 ] وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق : التربيع أفضل ، وقال مالك وداود : هما سواء في الفضيلة .



                                      ( فرع ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : حمل الجنازة فرض كفاية ولا خلاف فيه ، قال الشافعي والأصحاب : وليس في حملها دناءة وسقوط مروءة بل هو بر وطاعة وإكرام للميت ، وفعله الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الفضل والعلم ، والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال الشافعي في الأم والأصحاب : لا يحمل الجنازة إلا الرجال ، سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ولا خلاف في هذا ; لأن النساء يضعفن عن الحمل وربما انكشف منهن شيء لو حملن .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا رحمهم الله : يحرم حمل الجنازة على هيئة مزرية ، كحمله في قفة وغرارة ونحو ذلك ، ويحرم حمله على هيئة يخاف منها سقوطه ، قال الشافعي في الأم والقاضي أبو الطيب والأصحاب : ويحمل على سرير أو لوح أو محمل ، قالوا : وأي شيء حمل عليه أجزأ ؟ . قال القاضي والبندنيجي وغيرهما : فإن خيف تغيره وانفجاره قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه ، فلا بأس أن يحمل على الأيدي والرقاب ، حتى يوصل إلى القبر .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : يستحب أن يتخذ للمرأة نعش ، قال الشيخ نصر المقدسي والنعش هو المكبة التي توضع فوق المرأة على السرير ، وتغطى بثوب لتستر عن أعين الناس ، وكذا قاله صاحب الحاوي : يختار للمرأة إصلاح النعش كالقبة على السرير لما فيه من الصيانة وسماه صاحب البيان رحمه الله خيمة فقال : إن كانت امرأة اتخذ لها خيمة تسترها ، واستدلوا له بقصة جنازة زينب أم المؤمنين رضي الله عنها قيل : وهي أول من حمل على هذا النعش من المسلمات ، وقد روى البيهقي رحمه الله أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أوصت أن يتخذ لها ذلك ففعلوه ، فإن صح هذا فهي قبل زينب بسنين كثيرة ( وأما ) ما حكاه البندنيجي أن أول ما اتخذ ذلك في جنازة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول [ ص: 235 ] الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فباطل غير معروف نبهت عليه ; لئلا يغتر به .




                                      الخدمات العلمية