الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( تجوز الصلاة على الميت الغائب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن { النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي لأصحابه وهو بالمدينة وصلى عليه وصلوا خلفه } وإن كان الميت معه في البلد لم يجز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده ; لأنه يمكنه الحضور من غير مشقة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة . وروياه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، ورواه مسلم من رواية عمران بن حصين والنجاشي رضي الله عنه بفتح النون وتشديد [ ص: 211 ] الياء واسمه أصحمة . بهمزة مفتوحة ثم صاد ساكنة ثم حاء مفتوحة مهملتين . هكذا جاء في الصحيح وقيل : صحمة وقيل : غيره ، والنجاشي اسم لكل من ملك الحبشة . كما سمي كل خليفة للمسلمين أمير المؤمنين . ومن ملك الروم قيصر . والترك خاقان ، والفرس كسرى . والقبط فرعون ومصر العزيز والله أعلم . ومذهبنا جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد سواء كان في جهة القبلة أم في غيرها . ولكن المصلي يستقبل القبلة ولا فرق بين أن تكون المسافة بين البلدين قريبة أو بعيدة ولا خلاف في هذا كله عندنا .

                                      ( أما ) إذا كان الميت في البلد فطريقان : ( المذهب ) : وبه قطع المصنف والجمهور : لا يجوز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على حاضر في البلد إلا بحضرته } ; ولأنه لا مشقة فيه بخلاف الغائب عن البلد .

                                      ( والطريق الثاني ) : حكاه الخراسانيون أو أكثرهم فيه وجهان : ( أصحهما ) : هذا ( والثاني ) : يجوز كالغائب . فإن قلنا : لا يجوز قال الرافعي : ينبغي أن لا يكون بين الإمام والميت أكثر من مائتي ذراع أو ثلاثمائة تقريبا . قال : وحكي هذا عن الشيخ أبي محمد الجويني .

                                      ( فرع ) في مذاهبهم في الصلاة على الغائب عن البلد ذكرنا أن مذهبنا جوازه ومنعها أبو حنيفة . دليلنا حديث النجاشي وهو صحيح لا مطعن فيه وليس لهم عنه جواب صحيح بل ذكروا فيه خيالات أجاب عنها أصحابنا بأجوبة مشهورة : ( منها ) قولهم : إنه طويت الأرض فصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ( وجوابه ) أنه لو فتح هذا الباب لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع لاحتمال انحراف العادة في تلك القضية مع أنه لو كان شيء من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله . وأما حديث العلاء بن زيد ، ويقال : ابن زيد عن أنس { أنهم كانوا في تبوك فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بموت معاوية بن معاوية في ذلك اليوم ، وأنه قد نزل عليه سبعون ألف ملك يصلون عليه ، فطويت الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب فصلى عليه ، ثم رجع } فهو حديث [ ص: 212 ] ضعيف ضعفه الحفاظ منهم البخاري في تاريخه والبيهقي ، واتفقوا على ضعف العلاء هذا وأنه منكر الحديث .




                                      الخدمات العلمية