الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

                                                                                                          168 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا عوف قال أحمد وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي وإسمعيل ابن علية جميعا عن عوف عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي عن أبي برزة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها قال وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس قال أبو عيسى حديث أبي برزة حديث حسن صحيح وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم وقال عبد الله بن المبارك أكثر الأحاديث على الكراهية ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها ) السمر بالتحريك هو الحديث بالليل ، قال في مجمع البحار : روي بفتح الميم من المسامرة فهي الحديث بالليل وبسكونها فهو مصدر ، وأصل السمر لون ضوء القمر; لأنهم كانوا يتحدثون فيه ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 434 ] قوله : ( نا هشيم ) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم السلمي أبو معاوية الواسطي ، قال يعقوب الدورقي : كان عند هشيم عشرون ألف حديث ، قال العجلي ثقة يدلس .

                                                                                                          ( أنا عوف ) بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي ، ثقة ( قال أحمد ) هو ابن منيع ( ونا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعا ) أي عباد بن عباد وإسماعيل ابن علية كلاهما .

                                                                                                          ( عن عون ) كذا في النسخ المطبوعة بالنون ، والظاهر أنه تصحيف من الكاتب والصحيح عوف بالفاء ، وهو ابن أبي جميلة الأعرابي ، والله أعلم .

                                                                                                          ومقصود الترمذي بهذا أن لأحمد بن منيع ثلاثة شيوخ : هشيم ، وعباد بن عباد ، وإسماعيل ابن علية . فروى هشيم هذا الحديث عن عوف بلفظ أخبرنا ، ورواه عباد وإسماعيل بن علية عن عوف بلفظ عن ، وإنما نبه الترمذي على هذا الفرق لأن هشيما مدلس ، وهشيم هذا هو هشيم بن بشير مشهور بالتدليس ، قال ابن سعد : ثقة حجة إذا قال أنا ، وعباد بن المهلبي هو ابن حبيب بن المهلب أبو معاوية البصري ثقة ربما وهم .

                                                                                                          تنبيه : اعلم أن صاحب العرف الشذي لم يقف على مقصود الترمذي ولم يفهم هذا المقام ، وظن لفظ " عن عون " صحيحا فإنه قال ما لفظه : قوله : وقال أحمد نا عباد بن . . . إلخ هاهنا تحويل والمدار سيار ، انتهى . قلت : ليس المدار سيارا بل المدار عوف ، ثم قال : قوله جميعا عن عون المراد من الجميع هو عوف وعباد وإسماعيل ، انتهى .

                                                                                                          قلت : ليس كذلك بل المراد من الجميع هو عباد وإسماعيل ، فتفكر .

                                                                                                          ( عن سيار بن سلامة ) بفتح السين وشدة التحتانية الرياحي البصري ، ثقة .

                                                                                                          ( عن أبي برزة ) اسمه نضلة بن عبيد الأسلمي صحابي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات ، ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة 65 خمس وستين .

                                                                                                          قوله : ( يكره النوم قبل العشاء ) لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا أو عن الوقت المختار .

                                                                                                          ( والحديث بعدها ) لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح عن وقتها المختار أو عن قيام الليل ، وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول " أسمرا أول الليل [ ص: 435 ] ونوما آخره " وإذا تقرر أن علة النهي ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار ويمكن أن تحمل الكراهة على الإطلاق حسما للمادة ؛ لأن الشيء إذا شرع مظنة قد يستمر فيصير مئنة ، كذا في فتح الباري .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس ) أما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه بلفظ " ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء وسمر بعدها " .

                                                                                                          وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه بلفظ " جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء " يعني زجرنا .

                                                                                                          وأما حديث أنس فلم أقف عليه .

                                                                                                          وفي الباب أيضا عن ابن عباس رواه القاضي أبو الطاهر الذهلي .

                                                                                                          قوله : ( حديث أبي برزة حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة .

                                                                                                          قوله : ( وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص في ذلك بعضهم . . . إلخ ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه : ومن نقلت عنه الرخصة قيدت في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم ، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت ، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : احتج من قال بالكراهة بأحاديث الباب ، واحتج من قال بالجواز بدون كراهة بما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان ولم ينكر عليهم " وبحديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة حتى رقدنا في المسجد ، ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ، ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم " .

                                                                                                          قال ابن سيد الناس : وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار [ ص: 436 ] الصلاة من النوم المنهي عنه ، وإنما هو من السنة التي هي مبادئ النوم كما قال :


                                                                                                          وسنان أقصده النعاس فرنقت في جفنه سنة وليس بنائم

                                                                                                          .

                                                                                                          وقد أشار الحافظ في الفتح إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهي عنه ، كذا في النيل .




                                                                                                          الخدمات العلمية