الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معرفة التابعين

817 - والتابع اللاقي لمن قد صحبا وللخطيب حده أن يصحبا      818 - وهم طباق ، قيل : خمس عشره
أولهم رواة كل العشره      819 - وقيس الفرد بهذا الوصف
وقيل : لم يسمع من ابن عوف      820 - وقول من عد سعيدا فغلط
بل قيل : لم يسمع سوى سعد فقط      821 - لكنه الأفضل عند أحمدا
وعنه قيس وسواه وردا 822      822 - وفضل الحسن أهل البصرة
والقرني أويسا اهل الكوفة      823 - وفي نساء التابعين الأبدا
حفصة مع عمرة أم الدردا      824 - وفي الكبار الفقهاء السبعه
خارجة القاسم ثم عروه      825 - ثم سليمان عبيد الله
سعيد والسابع ذو اشتباه      826 - إما أبو سلمة او سالم
أو فأبو بكر خلاف قائم      827 - المدركون جاهلية فسم
مخضرمين كسويد في أمم      828 - وقد يعد في الطباق التابع
في تابعيهم إذ يكون الشائع      829 - الحمل عنهم كأبي الزناد
والعكس جاء وهو ذو فساد      830 - وقد يعد تابعيا صاحب
كابني مقرن ومن يقارب

( معرفة التابعين ) ، وهو كالذي قبله ، أصله عظيم في معرفة المرسل والمتصل ; [ ص: 145 ] ولذا قال الحاكم : ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين ، ثم لم يفرق بين التابعين وأتباعهم . ومن مظانهم المذكورون فيها على التوالي ( الطبقات ) لمسلم ، ولابن سعد ، ولخليفة بن خياط ، وأبي بكر البرقي ، وأبي الحسن بن سميع . بل أفردهم أبو حاتم الرازي وأبو القاسم بن منده بالتأليف ، وغيرها . وكان يمكن حصرهم في عدد تقريبي بالنظر لما في كتب الرجال ، وإن كان قليل الجدوى .

[ تعريف التابعي ] ( و ) فيه مسائل : الأولى : في تعريفه ، فـ ( التابع ) ويقال له : التابعي أيضا ، وكذا التبع ، ويجمع عليه أيضا ، وكذا على أتباع ، هو ( اللاقي لمن قد صحبا ) النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا فأكثر ، سواء كانت الرؤية من الصحابي نفسه ، حيث كان التابعي أعمى أو بالعكس ، أو كانا جميعا كذلك ; لصدق أنهما تلاقيا ، وسواء كان مميزا أم لا ، سمع منه أم لا ; لعد مسلم ثم ابن حبان ثم عبد الغني بن سعيد فيهم الأعمش ، مع قول الترمذي : إنه لم يسمع من أحد من الصحابة . وعبد الغني جرير بن حازم ; لكونه رأى أنسا . وموسى بن أبي عائشة مع اقتصار البخاري وابن حبان فيه على رؤية عمرو بن حريث . ويحيى بن أبي كثير مع قول أبي حاتم : إنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنسا رآه رؤية . وهذا مصير [ ص: 146 ] منهم إلى الاكتفاء بالرؤية ; إذ رؤية الصالحين - بلا شك - لها أثر عظيم ، فكيف بالصحابة منهم ؟ ! كما قيل بمثله في الصحابي مما أسلفته في أول معرفة الصحابة . ولكن قيده ابن حبان بكونه حين رؤيته إياه في سن من يحفظ عنه ، كما صرح بذلك في ترجمة خلف بن خليفة الذي قال البخاري فيه : يقال : إنه مات في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وهو ابن مائة سنة وسنة . وبذلك جزم ابن حبان . وقال فيه غيرهما : إنه آخر التابعين موتا ; حيث ذكره في أتباع التابعين ، وساق بسنده إليه قال : كنت في حجر أبي إذ مر رجل على بغل أو بغلة ، فقيل : هذا عمرو بن حريث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال : لم ندخل خلفا في التابعين وإن كانت له رؤية من الصحابة ; لأنه رأى عمرو بن حريث وهو صبي صغير لم يحفظ عنه شيئا ، يعني فإن عمرا توفي - كما قال البخاري وغيره - في سنة خمس وثمانين . وأدخلنا الأعمش فيهم ، مع أنه إنما رأى أيضا فقط ; لكونه حين رؤيته لأنس وهو بواسط يخطب كان بالغا يعقل ، بحيث حفظ منه خطبته ، بل حفظ عنه حين رآه بمكة وهو يصلي عند المقام أحرفا معدودة حكاها ; إذ ليس حكم البالغ إذا رأى وحفظ كحكم غير البالغ إذا رأى ولم يحفظ . انتهى .

[ ص: 147 ] وبه ظهر أن ما نقل عن شيخنا من احتمال أن يكون ابن حبان إنما عد خلفا في أتباع التابعين لما قيل : إنه إنما رأى جعفر بن عمرو بن حريث ، لا عمرا نفسه ، وأن هذا القول ترجح عنده ليس بجيد .

ثم إن إطلاق اللقي يشمل أيضا من لم يكن حينئذ مسلما ثم أسلم بعد ذلك ، وجنح إليه شيخنا فيما نقل عنه . ولا ينافيه قول ابن كثير : إن في كلام الحاكم ما يقتضي عدم الاكتفاء باللقاء ، وأنه لا بد من الرواية وإن لم يصحبه ; إذ الرواية لا يشترط لتحملها الإسلام . على أن ما نسبه للحاكم فيه نظر ; فقد قال الحاكم : وطبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة ; يعني اكتفاء فيهم بالرؤية . ثم إن ظاهر كلام ابن كثير عدم انفراد الحاكم بما فهمه عنه ; فإنه قال : فلم يكتفوا بمجرد رؤيته الصحابي ، كما اكتفوا في إطلاق اسم الصحابي على من رآه عليه السلام لشرف رؤيته وعظمها . وهذا محتمل لاشتراطه مع الرؤية كونه في سن من يحفظ ، كما لابن حبان ، أو الرواية صريحا . وعلى كل حال فهو قول آخر .

( و ) كذا ( للخطيب ) أيضا : التابعي ( حده أن يصحبا ) الصحابي . ولكن الأول أصح ، وعليه - كما قال المصنف - عمل الأكثرين . وقال شيخنا : إنه المختار . وقال النووي : إنه الأظهر . وسبقه لترجيحه ابن الصلاح فقال : والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي ; نظرا إلى مطلق اللفظ فيهما ; أي : في الصحابي والتابعي ، وإذا اكتفي به في الصحابي فهنا أولى . وفيه نظر ، فاللغة والاصطلاح في الصحابي كما تقدم متفقان ، وكأنه نظر إلى أنه لا يطلق عرفا على الرؤية المجردة بخلافه في التابع ، فالعرف واللغة فيه متقاربان ، هذا مع أن الخطيب عد منصور بن المعتمر في التابعين مع كونه لم يسمع من أحد من الصحابة . وقول الخطيب له : من الصحابة ابن أبي أوفى ، يريد في الرؤية ، لا في السماع والصحبة . واحتمال [ ص: 148 ] كون الخطيب يرى سماعه منه بعيد ، لا سيما وقد قال المصنف : لم أر من ذكره في التابعين .

وقال النووي في ( شرح مسلم ) : إنه ليس بتابعي ، ولكنه من أتباع التابعين . ثم إنه قد يستأنس للأول بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن رأى من رآني ) ; حيث اكتفى فيهما بمجرد الرؤية ، وإذ قد بان تعريفه فمطلقه ينصرف إليه ، وإن قال ابن الصلاح : إنه مقيد بالتابع بإحسان .

التالي السابق


الخدمات العلمية