الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          سبب تأليفه دلائل الإعجاز

                          26- ثم إن التوق إلى أن تقر الأمور قرارها، وتوضع الأشياء مواضعها، والنزاع إلى بيان ما يشكل وحل ما ينعقد، والكشف عما يخفى، وتلخيص الصفة حتى يزداد السامع ثقة بالحجة، واستظهارا على الشبهة ، واستبانة للدليل، وتبينا للسبيل شيء في سوس العقل وفي طباع النفس إذا كانت نفسا .

                          27- ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معنى " الفصاحة " و " البلاغة " و " البيان " و " البراعة " وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء، والإشارة في خفاء . وبعضه كالتنبيه على مكان الخبيء ليطلب، وموضع الدفين ليبحث عنه فيخرج . وكما يفتح لك الطريق إلى المطلوب لتسلكه وتوضع لك القاعدة لتبني عليها، ووجدت المعول على أن ها هنا نظما وترتيبا وتأليفا وتركيبا وصياغة وتصويرا ونسجا وتحبيرا، وأن سبيل هذه المعاني في [ ص: 35 ] الكلام الذي هي مجاز فيه، سبيلها في الأشياء التي هي حقيقة فيها ، وأنه كما يفضل هناك النظم النظم، والتأليف التأليف، والنسج النسج، والصياغة الصياغة . ثم يعظم الفضل وتكثر المزية حتى يفوق الشيء نظيره والمجانس له درجات كثيرة ، وحتى تتفاوت القيم التفاوت الشديد . كذلك يفضل بعض الكلام بعضا، ويتقدم منه الشيء الشيء، ثم يزداد فضله ذلك ويترقى منزلة فوق منزلة، ويعلو مرقبا بعد مرقب ، ويستأنف له غاية بعد غاية، حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع وتحسر الظنون، وتسقط القوى، وتستوي الأقدام في العجز.

                          فاتحة القول في الفصاحة والبلاغة

                          28- وهذه جملة قد يرى في أول الأمر وبادئ الظن - أنها تكفي وتغني . حتى إذا نظرنا فيها وعدنا وبدأنا، وجدنا الأمر على خلاف ما حسبناه، وصادفنا الحال على غير ما توهمناه ، وعلمنا أنهم لئن أقصروا اللفظ لقد أطالوا المعنى، وإن لم يغرقوا في النزع، لقد أبعدوا على ذاك في المرمى.

                          وذاك أنه يقال لنا : ما زدتم على أن سقتم قياسا، فقلتم : نظم ونظم وترتيب وترتيب ونسج ونسج . ثم بنيتم عليه أنه ينبغي أن تظهر المزية في هذه المعاني هاهنا حسب ظهورها هناك . وأن يعظم الأمر في ذلك [ ص: 36 ] كما عظم ثم، وهذا صحيح كما قلتم، ولكن بقي أن تعلمونا مكان المزية في الكلام وتصفوها لنا، وتذكروها ذكرا كما ينص الشيء ويعين ويكشف عن وجهه ويبين ، ولا يكفي أن تقولوا : إنه خصوصية في كيفية النظم وطريقة مخصوصة في نسق الكلم بعضها على بعض" حتى تصفوا تلك الخصوصية وتبينوها وتذكروا لها أمثلة وتقولوا : مثل كيت وكيت . كما يذكر لك من تستوصفه عمل الديباج المنقش ما تعلم به وجه دقة الصنعة، أو يعمله بين يديك حتى ترى عيانا كيف تذهب تلك الخيوط وتجيء؟ وماذا يذهب منها طولا وماذا يذهب منها عرضا، وبم يبدأ وبم يثني وبم يثلث؟ وتبصر من الحساب الدقيق ومن عجيب تصرف اليد ما تعلم معه مكان الحذق وموضع الأستاذية .

                          ولو كان قول القائل لك في تفسير الفصاحة : إنها خصوصية في نظم الكلم وضم بعضها إلى بعض على طريق مخصوصة أو على وجوه تظهر بها الفائدة أو ما أشبه ذلك من القول المجمل كافيا في معرفتها ومغنيا في العلم بها لكفى مثله في معرفة الصناعات كلها . فكان يكفي في معرفة نسج الديباج الكثير التصاوير أن تعلم أنه ترتيب للغزل على وجه مخصوص، وضم لطاقات الإبريسم بعضها إلى بعض على طرق شتى، وذلك ما لا يقوله عاقل .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية