الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وأما العظم والسن والقرن والظلف والظفر ففيه طريقان : من أصحابنا من قال : هو كالشعر والصوف ; لأنه لا يحس ولا يألم ، ومنهم من قال : ينجس قولا واحدا ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذان الطريقان مشهوران ، المذهب منهما عند الأصحاب القطع بالنجاسة ، وقد تقدم دليل المسألة ومذاهب العلماء فيها في مسألة الشعر ، والقائل بأنه على الخلاف هو أبو إسحاق المروزي ، قال أصحابنا : وقوله لأنه لا يحس ولا يألم غير مسلم ، فإن السن تضرس والعظم يحس ، قال أصحابنا : حكم الظفر حكم العظم والظلف والقرن ، هذا في غير الآدمي ، وأما أجزاء الآدمي فتقدم بيانها في مسألة الشعر ، وأما خف البعير الميت فنجس بلا خلاف .



                                      ( فرع ) العاج المتخذ من عظم الفيل نجس عندنا كنجاسة غيره من العظام ، لا يجوز استعماله في شيء رطب ، فإن استعمل فيه نجسه ، قال أصحابنا : ويكره استعماله في الأشياء اليابسة لمباشرة النجاسة ، ولا يحرم ; لأنه لا يتنجس به ، ولو اتخذ مشطا من عظم الفيل فاستعمله في رأسه أو لحيته فإن كانت رطوبة من أحد الجانبين تنجس شعره ، وإلا فلا ولكنه يكره ولا يحرم ، هذا هو المشهور للأصحاب . ورأيت في نسخة من تعليق الشيخ أبي حامد أنه قال : ينبغي أن يحرم ، وهذا غريب ضعيف . قلت : وينبغي أن يكون الحكم هكذا في استعمال ما يصنع ببعض بلاد [ ص: 299 ] حوران من أحشاء للغنم على هيئة الأقداح والقصاع ونحوها لا يجوز استعماله في رطب ، ويجوز في يابس مع الكراهة ، قال الروياني : ولو جعل الدهن في عظم الفيل للاستصباح أو غيره من الاستعمال في غير البدن فالصحيح جوازه ، وهذا هو الخلاف في جواز الاستصباح بزيت نجس ; لأنه ينجس بوضعه في العظم . هذا تفصيل مذهبنا في عظم الفيل ، وإنما أفردته عن العظام كما أفرده الشافعي ثم الأصحاب ، قالوا : وإنما أفرده لكثرة استعمال الناس له ، ولاختلاف العلماء فيه ، فإن أبا حنيفة قال بطهارته بناء على أصله في كل العظام ، وقال مالك في رواية : إن ذكي فطاهر وإلا فنجس ، بناء على رواية له أن الفيل مأكول ، قال إبراهيم النخعي : إنه نجس لكن يطهر بخرطه ، وقد قدمنا دليل نجاسة جميع العظام وهذا منها ، ومذهب النخعي ضعيف بين الضعف . والله أعلم .



                                      ( فرع ) قال صاحب الشامل وغيره من أصحابنا في هذا الموضع : سئل فقيه العرب عن الوضوء من الإناء المعوج فقال : إن أصاب الماء تعويجه لم يجز وإلا فيجوز ، والإناء المعوج هو المضبب بقطعة من عظم الفيل ، وهذا صحيح ، والصورة فيما دون القلتين . وفقيه العرب ليس شخصا بعينه وإنما العلماء يذكرون مسائل فيها ألغاز وملح ينسبونها إلى فتيا فقيه العرب ، وصنف الإمام أبو الحسين بن فارس كتابا سماه فتيا فقيه العرب ، ذكر فيه هذه المسألة وأشد إلغازا منها



                                      ( فرع ) ويجوز إيقاد عظام الميتة غير الآدمي تحت القدور وفي التنانير وغيرها ، صرح به صاحب الحاوي والجرجاني في كتابيه التحرير والبلغة والروياني وغيرهم .




                                      الخدمات العلمية