الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يكون الكفن أبيض لحديث عائشة رضي الله عنها والمستحب أن يكون حسنا ، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه } " وتكره المغالاة فيه لما روى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا } " والمستحب أن يبخر الكفن ثلاثا لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا } " ) .

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 155 ] الشرح ) حديث عائشة رضي الله عنها سبق بيانه أنه في الصحيحين وحديث علي رضي الله عنه رواه أبو داود بإسناد حسن ولم يضعفه .

                                      وحديث جابر الأول رواه مسلم ، وحديثه الآخر رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، والحاكم في المستدرك والبيهقي وإسناده صحيح ، قال الحاكم هو صحيح على شرط مسلم ، ولكن روى البيهقي عن يحيى بن معين أنه قال : لم يرفعه إلا يحيى بن آدم . قال يحيى بن معين : ولا أظنه إلا غلطا ، قلت : كأن يحيى بن معين فرعه على قاعدة أكثر المحدثين أن الحديث إذا روي مرفوعا وموقوفا حكم بالوقف ، والصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ومحققو المحدثين أنه يحكم بالرفع ; لأنها زيادة ثقة ، ولفظ رواية الحاكم والبيهقي " { إذا أجمرتم الميت فأوتروا } " قال البيهقي . وروى " { جمروا كفن الميت ثلاثا } " ولفظ رواية أحمد " { إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا } " .

                                      ( وقوله ) : يكون الكفن أبيض أي : ثيابا بيضا ، والإجمار التبخر ، وقوله : صلى الله عليه وسلم فليحسن كفنه - هو بفتح الفاء - كذا ضبطه الجمهور وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة إسكان الفاء أي : فعل التكفين من الإشباع ، والعموم ، والأول هو الصحيح ، أي : يكون الكفن حسنا ، وسأذكر إن شاء الله تعالى قريبا معنى تحسينه .

                                      ( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) : يستحب أن يكون الكفن أبيض لحديث عائشة المذكور والحديثين السابقين في باب هيئة الجمعة .

                                      ( الثانية ) يستحب تحسين الكفن ، قال أصحابنا : والمراد بتحسينه بياضه ونظافته ، وسوغه وكثافته ، لا كونه ثمينا ، لحديث النهي عن المغالاة ، وتكره المغالاة فيه للحديث . قال القاضي حسين والبغوي الثوب الغسيل أفضل من الجديد ، ودليله حديث عائشة قالت : نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه فقال " اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين ، وكفنوني فيها ، قلت : إن هذا خلق ، قال : الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة " رواه البخاري - والمهلة بضم الميم وكسرها وفتحها - هي دم الميت [ ص: 156 ] وصديده ، ونحوه . قال أصحابنا رحمهم الله : ويجوز تكفين كل إنسان فيما يجوز له لبسه في الحياة فيجوز من القطن والصوف والكتان والشعر والوبر وغيرها ، وأما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه ، وأما المرأة فالمشهور القطع بجواز تكفينها فيه ; لأنه يجوز لها لبسه في الحياة ، لكن يكره تكفينها فيه ; لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال ، بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج ، وحكى صاحب البيان في زيادات المهذب وجها أنه لا يجوز ، وأما المعصفر والمزعفر فلا يحرم تكفينها فيه بلا خلاف ولكن يكره على المذهب وبه قطع الأكثرون وحكى صاحبا العدة والبيان وجهين : ثانيهما لا يكره ، قالا : وهو مذهب أبي حنيفة قال أصحابنا : ويعتبر في الكفن المباح حال الميت ، فإن كان مكثرا من المال فمن جياد الثياب ، وإن كان متوسطا فأوسطها ، وإن كان مقلا فخشنها ، هذه عبارة الشيخ أبي حامد والبندنيجي وغيرهما .



                                      ( الثالثة ) : يستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة ، قال أصحابنا : صفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب ، قال أصحابنا ، ويستحب أن يكون الطيب عودا ويكون العود غير مطيب بالمسك ، فإن كان مطيبا به جاز ، ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث .




                                      الخدمات العلمية