الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 526 ] النوع السادس والعشرون :

        صفة رواية الحديث . تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما ، وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا ، وتساهل آخرون ففـرطـوا ، فمن المشـددين من قال : لا حجـة إلا فـيما رواه من حفظه وتذكره ، روي عن مالك ، وأبي حنيفة ، وأبى بكر الصيدلاني الشافعي ، ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده ، وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين ، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم الحاكم مجروحين . قال : وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء ، وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي تقابل تجوز الرواية منها بشروط ، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه ، ويحتمل أنه أراد إذا لم توجد الشروط ، والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط ، فإذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن غاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير ، لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا .

        التالي السابق


        النوع السادس والعشرون :

        ( صفة رواية الحديث ) وآدابه وما يتعلق بذلك ( تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما ) كألفاظ الأداء ( وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا ) أي بالغوا ، ( وتساهل ) فيها ( آخرون ففرطوا ) أي قصروا .

        ( فمن المشددين من قال : لا حجة إلا فيما رواه ) الراوي ( من حفظه وتذكره ، [ ص: 527 ] روي ) ذلك ( عن مالك ، وأبي حنيفة ، وأبي بكر الصيدلاني ) المروزي ( الشافعي ) ، فروى الحاكم من طريق ابن عبد الحكم عن أشهب قال سئل مالك ، أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة ؟ فقال : لا ، قيل : فإن أتى بكتب فقال سمعتها وهو ثقة ، فقال لا يؤخذ عنه ، أخاف أن يزاد في حديثه بالليل ، يعني وهو لا يدري .

        وعن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت أشهب يقول : سئل مالك عن الرجل الغير فهم يخرج كتابه فيقول : هذا سمعته ، قال : لا تأخذ إلا عمن يحفظ حديثه ، أو يعرف .

        وروى البيهقي عن مالك وعن أبي الزناد قال : أدركت بالمدينة مائة ، كلهم مأمون لا يؤخذ عنهم شيء من الحديث ، يقال : ليس من أهله .

        ولفظ مالك : لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ، وهذا مذهب شديد ، وقد استقر العمل على خلافه ، فلعل الرواة في الصحيحين ممن يوصف بالحفظ لا يبلغون النصف .

        ( ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده ) بالإعارة أو ضياع أو غير ذلك فلا يجوز حينئذ منه لجواز تغييره وهذا أيضا تشديد .

        ( وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين ) في وجوه التحمل

        [ ص: 528 ] ( ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم ، فجعلهم الحاكم مجروحين ، قال : وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء ) .

        وممن نسب إليه التساهل ابن لهيعة ، كان الرجل يأتيه بالكتاب فيقول : هذا من حديثك فيحدثه به مقلدا له .

        قال المصنف زيادة على ابن الصلاح : ( وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي لم تقابل تجوز الرواية منها بشروط ، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه ، ويحتمل أنه أراد ) بما ذكره ( إذا لم توجد الشروط .

        والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط ) بين الإفراط والتفريط ، فخير الأمور الوسط ، وما عداه شطط ، ( فإذا قام ) الراوي ( في التحمل والمقابلة ) لكتابه ( بما تقدم ) من الشروط ( جازت الرواية منه ) أي من الكتاب ( وإن غاب ) عنه ( إذا كان الغالب ) على الظن من أمره ( سلامته من التغيير ) والتبديل ( لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالبا ) ; لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن .




        الخدمات العلمية