الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
23 - باب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف


1 - وفي هاء تأنيث الوقوف وقبلها ممال الكسائي غير عشر ليعدلا

[ ص: 158 ]      2 - ويجمعها حق ضغاط عص خظا
وأكهر بعد الياء يسكن ميلا      3 - أو الكسر والإسكان ليس بحاجز
ويضعف بعد الفتح والضم أرجلا      4 - لعبره مائه وجهه وليكه وبعضهم
سوى ألف عند الكسائي ميلا



هاء التأنيث هي التي تكون في الوصل تاء، وفي الوقف هاء، سواء رسمت في المصاحف بالهاء أو بالتاء، لأن مذهب الكسائي الوقف على جميع ذلك بالهاء، ويدخل تحت قوله: (هاء التأنيث) ما جاء على لفظها، وإن لم يكن المقصود بها الدلالة على التأنيث، نحو: كاشفة ، بصيرة ، همزة ، لمزة . ولذلك قال الداني: كان الكسائي يقف على هاء التأنيث وما شابهها في اللفظ بالإمالة، فزاد كلمة وما شابهها ليدخل فيه ما ذكرنا، وخرج بقولنا: (وفي الوصل تاء)، الهاء الأصلية نحو: نفقه ، توجه ، ينته . وهاء السكت نحو: حسابيه ، سلطانيه ، وهاء الضمير نحو: فأكرمه ونعمه . والهاء من نحو هذه، فإنها وإن كانت دالة على التأنيث لا تكون تاء في الوصل بل هي هاء وصلا ووقفا. وقوله: (وما قبلها) أي والحروف التي قبلها. وقوله: (ممال) اسم مفعول أريد به المصدر أي: إمالة الكسائي.

والمعنى: أن الكسائي أمال هاء التأنيث وما شابهها، والحروف التي قبلها في الوقف، وكلام الناظم صريح في أن الكسائي يميل الهاء والحرف الذي قبلها في الوقف، وهذا أحد قولين لأهل الأداء. والقول الثاني: أن الإمالة لا تكون إلا في الحرف الذي قبل هاء التأنيث، وأما هاء التأنيث فلا تتأتى فيها الإمالة لسكونها عند الوقف الساكن لا تتأتى فيه الإمالة ولا الفتح. ثم استثنى من الحروف الواقعة قبل هاء التأنيث التي تمال عند الوقف هذه الحروف العشر فإن الكسائي لا يميلها، وهذه الحروف العشر مجموعة في قوله: (حق ضغاط عص خظا). وهي الحاء نحو والنطيحة . والقاف نحو الحاقة ، والضاد نحو بعوضة ، والألف نحو (الصلاة)، والطاء نحو بسطة ، والعين نحو القارعة ، والصاد نحو خاصة ، والخاء نحو الصاخة والظاء نحو وموعظة ، ومعنى قوله (وأكهر بعد الياء يسكن ميلا أو الكسر) أن حروف (أكهر) وهي: الهمزة، والكاف، والهاء، والراء، إذا وقعت قبل هاء التأنيث وكان قبل هذه الحروف الأربعة ياء ساكنة [ ص: 159 ] أو كسرة أميلت هذه الحروف مثال الهمزة بعد الياء الساكنة خطيئة ، كهيئة ، ومثالها بعد الكسر مائة ، خاطئة ومثال الكاف بعد الياء الساكنة الأيكة . وبعد الكسر الملائكة ، ومثال الهاء بعد الكسر فاكهة ، ولا مثال لها بعد الياء الساكنة في القرآن الحكيم. ومثال الراء بعد الياء الساكنة لكبيرة ، ومثالها بعد الكسر تبصرة ، الآخرة ، وقوله (والإسكان ليس بحاجز) معناه أنه إذا وقع بين الكسر وبين حرف من حروف (أكهر) حرف ساكن فإن هذا الحرف لا يعد حاجزا ومانعا يمنع الكسر من اقتضاء الإمالة نحو: لعبرة ، سدرة ، وجهه ، واختلف في فرطت من حيث إن الحرف الساكن حرف استعلاء، وليس في القرآن مثال للهمزة والكاف. وقوله: (ويضعف بعد الفتح والضم أرجلا) معناه: أن حروف (أكهر) تضعف عن تحمل الإمالة إذا كان ما قبلها مفتوحا أو مضموما، سواء وقعت حروف (أكهر) بعد الحرف المفتوح أو المضموم، أو فصل بينه وبينهما ساكن. ومعنى ذلك: امتناع إمالتها إذا وقعت بعد الفتح أو الضم، لأن (أرجلا) جمع رجل بكسر الراء وسكون الجيم، وهو منصوب على التمييز المحول عن الفاعل، أي: تضعف رجلا أكهر عن تحمل الإمالة، وفي هذا التركيب مجاز حيث شبه هذه الحروف برجل ضعيف متداع لا تحمله رجلاه، والمقصود ضعف الإمالة في هذه الحالة وردها وعدم قبولها كما يقال للمذهب الضعيف: هذا المذهب لا يمشي، والتعبير هنا بالأرجل باعتبار أن الرجل آلة المشي.

فمثال الهمزة بعد الحرف المفتوح المباشر لها (امرأة)، ومثالها بعد الحرف المفتوح الذي فصل بينها وبينه ساكن براءة ، سوءة . وليس للهمزة بعد الحرف المضموم مثال في القرآن العزيز. ومثال الكاف بعد الحرف المفتوح المباشر مباركة . وبعد الحرف المفتوح الذي فصل بينها وبينه ساكن الشوكة . ومثالها بعد الحرف المضموم المباشر التهلكة ولم تقع الكاف في القرآن بعد حرف مضموم فصل بينها وبينه ساكن. ومثال الهاء بعد الفتح مع الفصل بالألف سفاهة ، ولم يقع في القرآن غير ذلك. ومثال الراء بعد الفتح المباشر شجرة ، ومع الفصل بالألف سيارة ، بغير الألف نضرة ، ومثالها بعد الضم مع الفصل بالساكن عسرة ، محشورة . وقوله: (وبعضهم سوى ألف عند الكسائي ميلا) معناه: أن بعض أهل الأداء أمال للكسائي جميع الحروف الهجائية [ ص: 160 ] الواقعة قبل هاء التأنيث إلا الألف فلم يملها. ويؤخذ مما تقدم: أن الكسائي يقرأ بالإمالة قولا واحدا في الحروف الخمسة عشر الباقية المجموعة في قولهم: (فجثت زينب لذود شمس) لأنه أخبر في البيت الأول أن الكسائي يميل جميع الحروف الهجائية الواقعة قبل هاء التأنيث واستثني منها الحروف العشرة، فبقي تسعة عشر حرفا تمال كلها غير أنه اشترط في إمالة أربعة منها أن تقع بعد ياء ساكنة، أو كسر وهي: حروف أكهر، ولم يشترط في إمالة الخمسة عشر الباقية شيئا، فحينئذ تمال قولا واحدا، وبلا شرط فمثال الفاء خليفة ، ومثال الجيم حجة ، ذات بهجة ، ومثال الثاء مبثوثة ، ثلاثة . ومثال التاء الميتة . ومثال الزاي العزة ، همزة لمزة ، بارزة ، ومثال الياء ومعصيت ، خشية ومثال النون جنة ، زيتونة ، ومثال الباء حبة ، طيبة ، ومثال اللام كاملة ، ليلة ، ومثال الذال لذة ، ومثال الواو قسوة ، قوة ، ومثال الدال واحدة ، ومثال الشين فاحشة ، معيشة ، ومثال الميم رحمة ، نعمة ، ومثال السين خمسة ، المقدسة .

ويؤخذ من النظم: أن للكسائي في إمالة ما قبل هاء التأنيث مذهبين:

المذهب الأول: إمالة الحروف الخمسة عشر بلا شرط، وإمالة حروف أكهر بشرط وقوعها بعد ياء ساكنة أو كسر وعدم إمالتها عند فقد هذا الشرط، وعدم إمالة الحروف العشرة مطلقا.

المذهب الثاني: إمالة جميع الحروف الهجائية الواقعة قبل هاء التأنيث مطلقا إلا الألف.

فعلى كلا المذهبين لا إمالة في الألف، والراجح المذهب الأول، ونستطيع أن نقول: إن الحروف الهجائية بالنسبة للإمالة وعدمها للكسائي أربعة أقسام.

القسم الأول: يمال مطلقا وبلا شرط على المذهبين وهي الحروف الخمسة عشر السابقة.

القسم الثاني: يمال بشرط أن تسبقه ياء ساكنة أو كسرة على المذهب الأول، وبلا شرط على المذهب الثاني، وهي حروف أكهر.

القسم الثالث: لا يمال على المذهب الأول، ويمال على المذهب الثاني، وهي الحروف العشرة ما عدا الألف.

القسم الرابع: لا يمال على كلا المذهبين وهي الألف.

وقوله: (حق ضغاط عص خظا)، (ضغاط) جمع ضغطة، وهو مضاف إلى (عص) بمعنى عاص، و(خظا) بمعنى سمن، واكتنز لحمه، والتقدير: ضغاط عاص سمن وكثر لحمه حق واقع، والناظم يشير بذلك لضغطة القبر، وهي عصرته وضيقه، ويشير بالسمن لكثرة الذنوب. فيكون المعنى: أن ضغطة القبر للعاصي كثير الذنوب حق [ ص: 161 ] لا ريب فيه، والأكهر الشديد العبوس، والكهر ارتفاع النهار مع شدة الحر.

التالي السابق


الخدمات العلمية