الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل منزلة الثقة بالله تعالى

ومن منازل : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) منزلة الثقة بالله تعالى .

قال صاحب " المنازل " :

الثقة : سواد عين التوكل . ونقطة دائرة التفويض . وسويداء قلب التسليم .

وصدر الباب بقوله تعالى لأم موسى : ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ) . فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى ، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء ، تتلاعب به أمواجه ، وجرياته إلى حيث ينتهي أو يقف .

ومراده : أن الثقة خلاصة التوكل ولبه ، كما أن سواد العين : أشرف ما في العين .

وأشار بأنه نقطة دائرة التفويض إلى أن مدار التوكل عليه ، وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة . فإن النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ، ونسبة جهات المحيط إليها نسبة واحدة ، وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها . كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض .

وكذلك قوله : سويداء قلب التسليم . فإن القلب أشرف ما فيه سويداؤه ، وهي [ ص: 143 ] المهجة التي تكون بها الحياة ، وهي في وسطه . فلو كان التفويض قلبا لكانت الثقة سويداءه . ولو كان عينا لكانت سوادها . ولو كان دائرة لكانت نقطتها .

وقد تقدم أن كثيرا من الناس يفسر التوكل بالثقة . ويجعله حقيقتها . ومنهم من يفسره بالتفويض . ومنهم من يفسره بالتسليم .

فعلمت أن مقام التوكل يجمع ذلك كله .

فكأن الثقة عند الشيخ هي روح ، والتوكل كالبدن الحامل لها ، ونسبتها إلى التوكل كنسبة الإحسان إلى الإيمان . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية