الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى ( فإن دبغ جلد الميتة وعليه شعر ( فقد ) قال في الأم : لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر في تطهيره ، وروى الربيع بن سليمان الجيزي عنه أنه يطهر ; لأنه شعر نابت على جلد طاهر ، فكان كالجلد في الطهارة كشعر الحيوان في حال الحياة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذان القولان مشهوران أصحهما عند الجمهور - نصه في الأم - أنه لا يطهر ، وقد تقدم عن صاحب الحاوي أنه قال : هو المشهور عن الشافعي والذي نقله عنه جمهور أصحابه ، وممن صححه من المصنفين أبو القاسم الصيمري والشيخ أبو محمد الجويني والبغوي والشاشي والرافعي وقطع به الجرجاني في التحرير ، وصحح الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والروياني طهارته ، قال الروياني : لأن الصحابة في زمن عمر رضي الله عنهم قسموا الفرى المغنومة من الفرس ، وهي ذبائح مجوس . ومما يدل لعدم الطهارة حديث أبي المليح ( بفتح الميم ) عامر بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن جلود السباع } " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح ، وعن المقدام بن معدي كرب أنه قال لمعاوية رضي الله عنهما : { أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم } " ، رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن ، وعن معاوية أنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم } " ، رواه أبو داود . فهذه الأحاديث ونحوها احتج بها جماعة من أصحابنا على أن الشعر لا يطهر بالدباغ ; لأن النهي متناول لما بعد الدباغ ، [ ص: 295 ] وحينئذ لا يجوز أن يكون النهي عائدا إلى نفس الجلد ، فإنه طاهر بالدباغ بالدلائل السابقة ، وإنما هو عائد إلى الشعر . وأما ما احتج به الروياني من الفرى المغنومة فليس فيه أنهم استعملوها فيما لا يجوز استعمال النجس فيه من صلاة وغيرها .

                                      ( فرع ) إذا قلنا بالأصح : إن الشعر لا يطهر بالدباغ ، قال القاضي حسين والجرجاني وغيرهما : يعفى عن القليل الذي يبقى على الجلد ، ويحكم بطهارته تبعا .



                                      ( فرع ) مما ينبغي أن يتفطن له وتدعو الحاجة إلى معرفته جلود الثعالب ونحوها إذا ماتت أو أفسدت ذكاتها بإدخال السكين في آذانها ونحو ذلك ، وجلد ما لا يؤكل لحمه ، فهذه لا تصح الصلاة فيها على الأصح لعدم طهارة الشعر بالدباغ ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - : وأما القندس فبحثنا عنه فلم يثبت أنه مأكول فينبغي أن تجتنب الصلاة فيه ، ولأصحابنا وجهان في تحريم ما أشكل من الحيوان فلم يدر أنه مأكول أم لا ، وسنذكر في فرع قريب عن صاحب الحاوي نحو هذا في الشعر - إن شاء الله - .



                                      ( فرع ) قال صاحب الحاوي : لو باع جلد الميتة بعد الدباغ قبل إماطة الشعر عنه وفرعنا على أن الجلد يصح بيعه ، وأن الشعر لا يطهر بالدباغ فله ثلاثة أحوال : ( إحداها ) : أن يقول : بعتك الجلد دون الشعر فالبيع صحيح .

                                      ( الثانية ) : أن يقول : بعتك الجلد مع شعره فبيع الشعر باطل ، وفي الجلد قولا تفريق الصفقة ، أصحهما الصحة .

                                      ( الثالثة ) : أن يبيعه مطلقا فهل هو كالحالة الثانية أم الأولى ؟ فيه وجهان .

                                      ( فرع ) ذكر المصنف " الربيع بن سليمان الجيزي " ولا ذكر له في المهذب إلا في هذا الموضع ، وله ذكر في غير المهذب في مسألة قراءة القرآن بالألحان فإنه نقلها عن الشافعي ، وقد ذكرتها في الروضة وفي تهذيب الأسماء ، [ ص: 296 ] وأما الربيع المتكرر في المهذب وكتب الأصحاب فهو الربيع بن سليمان المرادي وهو راوي الأم وغيرها من كتب الشافعي عنه ، وقد أوضحت حال الربيعين في تهذيب الأسماء واللغات ، وهذا الجيزي بكسر الجيم وبالزاي منسوب إلي جيزة مصر ، وهو الربيع بن سليمان المصري الأزدي مولاهم توفي في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين ، روى عنه أبو داود والنسائي في سننهما ، وأبو جعفر الطحاوي وآخرون من الأئمة ، وكان عمدة عند المحدثين . والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية