الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب الدليل على أن الأضحية سنة

                                                                                                          1506 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا حجاج بن أرطاة عن جبلة بن سحيم أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية أواجبة هي فقال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فأعادها عليه فقال أتعقل ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب أن يعمل بها وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2484 قوله ( عن جبلة بن سحيم ) بمهملتين مصغرا كوفي ثقة من الثالثة مات سنة خمس وعشرين ومائة .

                                                                                                          قوله : ( فأعادها ) أي فأعاد ذلك الرجل تلك المقالة أي الأضحية أواجبة هي ( عليه ) أي على ابن عمر رضي الله عنه ( فقال ) أي ابن عمر ( أتعقل ) أي أتفهم ( ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ) الظاهر أنه لم يثبت عند ابن عمر وجوب الأضحية فلذا لم يقل في جواب السائل نعم . وقال البخاري في صحيحه ، قال ابن عمر رضي الله عنه هي سنة ومعروف ، قال الحافظ في الفتح : وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد إلى ابن عمر .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) ذكر الحافظ هذا الحديث ، وتحسين الترمذي له في الفتح ، وسكت عنه لكن في سنده الحجاج ، والظاهر أنه ابن أرطاة وهو مدلس ، ورواه عن جبلة بلفظ عن .

                                                                                                          [ ص: 79 ] قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ) قال الحافظ في الفتح كأن الترمذي فهم من كون ابن عمر لم يقل في الجواب نعم أنه لا يقوله بالوجوب ، فإن الفعل المجرد لا يدل على ذلك ، وكأنه أشار بقوله والمسلمون إلى أنها ليست من الخصائص ، وكان ابن عمر حريصا على اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك لم يصرح بعدم الوجوب انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك ) قال الشيخ عبد الحق في اللمعات : اختلفوا في أن الأضحية واجبة أو سنة ، فذهب أبو حنيفة وصاحباه وزفر إلى أنها واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر . وعند الشافعي وفي رواية عن أبي يوسف سنة مؤكدة ، وهو المشهور المختار في مذهب أحمد ، وفي رواية عنه أنه واجب على الغني وسنة على الفقير . وفي رسالة ابن أبي زيد في مذهب مالك أنه سنة واجبة على من استطاعها ودليل الوجوب ما روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن مخنف بن سليم فذكر حديثه وفيه على كل أهل بيت في كل عام أضحية ، قال الشيخ : وهذا صفة الوجوب ، وقال صلى الله عليه وسلم : من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ، ومثل هذا الوعيد لا يليق إلا بترك الواجب انتهى كلام الشيخ .

                                                                                                          قلت : قال الحافظ في الفتح : قد احتج من قال بالوجوب بما ورد في حديث مخنف بن سليم رفعه : على كل أهل بيت أضحية أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست في الوجوب المطلق ، وقد ذكر معها العتيرة وليست بواجبة عند من قال بوجوب الأضحية انتهى كلام الحافظ ، وأما حديث من وجد سعة فلا يقربن مصلانا فأخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره : ومع ذلك فليس صريحا في الإيجاب قاله الحافظ .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بقوله تعالى : فصل لربك وانحر والأمر للوجوب .

                                                                                                          وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام ، فالأمر متوجه إلى ذلك ؛ لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ، ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر ، على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر ، ولهم دلائل أخرى لكن لا يخلو واحد منها عن كلام .

                                                                                                          [ ص: 80 ] واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعا : ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع : النحر والوتر وركعتا الضحى ، أخرجه البزار وابن عدي والحاكم وأجيب بأن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ، وقد صرح الحافظ بأن الحديث ضعيف من جميع طرقه .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة ، وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر . وأجيب بأن هذه آثار الصحابة رضي الله عنهم ، قال الشوكاني بعد ذكرها ألا حجة في شيء من ذلك انتهى . ولهم دلائل أخرى لا يخلو واحد منها عن كلام . فنقول كما قال ابن عمر رضي الله عنه : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضحى المسلمون والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية