الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في حد اللوطي

                                                                                                          1456 حدثنا محمد بن عمرو السواق حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به قال وفي الباب عن جابر وأبي هريرة قال أبو عيسى وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال ملعون من عمل عمل قوم لوط ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه ملعون من أتى بهيمة وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به قال أبو عيسى هذا حديث في إسناده مقال ولا نعرف أحدا رواه عن سهيل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم أحصن أو لم يحصن وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم قالوا حد اللوطي حد الزاني وهو قول الثوري وأهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2391 قوله : ( من وجدتموه ) أي علمتموه ( يعمل عمل قوم لوط ) أي بعمل قوم لوط اللواطة ( فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) . قال في شرح السنة : اختلفوا في حد اللوطي ، فذهب الشافعي في أظهر قوليه وأبو يوسف ومحمد إلى أن حد الفاعل حد الزنا ، أي إن كان محصنا يرجم وإن لم يكن محصنا يجلد مائة ، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائة وتغريب عام رجلا كان أو امرأة محصنا أو غير محصن . لأن التمكين في الدبر لا يحصنها فلا يحصنها حد المحصنات . وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصنا كان أو غير محصن ، وبه قال مالك وأحمد ، والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما هو ظاهر الحديث : وقد قيل في كيفية قتلهما هدم بناء عليهما ، وقيل رميهما من شاهق كما فعل بقوم لوط . وعند أبي حنيفة يعزر ولا يحد انتهى .

                                                                                                          [ ص: 18 ] قوله : ( وفي الباب عن جابر وأبي هريرة ) أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه والحاكم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا . وإسناده ضعيف ، وذكره الترمذي معلقا فقال ( وقد روي هذا الحديث عن عاصم بن عمر إلخ ) قال الحافظ : وحديث أبي هريرة لا يصح ، وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك .

                                                                                                          قوله : ( واختلف أهل العلم في حد اللوطي فرأى بعضهم أن عليه الرجم أحصن أو لم يحصن . وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ) أخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه أنه رجم لوطيا ، قال الشافعي : وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن . وروى ابن ماجه من طريق عاصم بن عمر العمري عن أبي هريرة بلفظ : فارجموا الأعلى والأسفل . وقد عرفت أن عاصما هذا متروك ، وأما رجم علي رضي الله عنه لوطيا فهو فعله ( وقال بعض أهل العلم من فقهاء التابعين منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم قالوا : حد اللوطي حد الزاني وهو قول الثوري وأهل الكوفة ) وهو قول الشافعي فيجلد عند هؤلاء الأئمة البكر ويغرب ويرجم المحصن . واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر ، ويؤيد ذلك [ ص: 19 ] حديث : إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان . أخرجه البيهقي من حديث أبي موسى وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم ، وقال البيهقي لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى . ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول . وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه . وعلى فرض عدم شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس .

                                                                                                          ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول .

                                                                                                          وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له إلى أنه يعزر اللوطي فقط ، ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم . وأما الاستدلال لهذا بحديث : لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة ، فمردود بأن ذلك إنما هو مع الالتباس والنزاع ليس هو في ذلك .




                                                                                                          الخدمات العلمية