الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2643 (25) باب

                                                                                              في قوله تعالى: والمحصنات من النساء

                                                                                              [ 1520 ] عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا العدو فقاتلوهم فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما [النساء: 24]. أي: فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.

                                                                                              رواه مسلم (1456) (33)، وأبو داود (2155)، والترمذي (1132)، والنسائي (6 \ 110 ).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (25) ومن باب قوله تعالى: والمحصنات من النساء [النساء: 24]

                                                                                              (المحصنة) اسم مفعول، من: أحصنت. وأصل الإحصان: المنع؛ ومنه الحصن الذي يمتنع فيه. والفرس حصان؛ لأنه يتحصن عليه. ويقال: محصنة على ذات الزوج؛ لأن الزوج قد منعها من غيره، وعلى العفيفة؛ لأنها قد منعت نفسها من الفواحش. ويقال على الحرة؛ لأن الحرية تمنعها مما يتعاطاه العبيد. وقد جاءت الأوجه الثلاثة في القرآن. والمراد به في هذه الآية: ذوات الأزواج؛ أي: هن ممن حرم عليكم. ثم استثنى بقوله: إلا ما ملكت أيمانكم وهذه الآية اختلف الناس في سبب نزولها. وحديث أبي سعيد هذا أصح ما نقل في ذلك. وبه يرتفع الخلاف. فإنه نص فيه: على أنها نزلت بسبب تحرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المسبيات ذوات الأزواج ، فأنزل الله تعالى في جوابهم: أو ما ملكت أيمانكم [النساء: 3] فالمسبيات ذوات الأزواج داخلات في عموم إلا ما ملكت أيمانكم فالسبي فسخ لنكاحهن بلا شك. وهل هو فسخ [ ص: 192 ] بطلاق، أو بغير طلاق؟ ذهب للأول الحسن البصري . ثم هل يقصر التحريم عليهن - أعني المسبيات لأنهن السبب -، أو يحمل اللفظ على عمومه؟ قولان لأهل العلم. وعن هذا نشأ الخلاف في بيع الأمة ذات الزوج، وهبتها، وميراثها، وعتقها. فقال الحسن : إن ذلك كله طلاق لها من زوجها.

                                                                                              وروي عن عمر في قوله: إلا ما ملكت أيمانكم بملك نكاح، أو يمين، أو غلبة. وذهب مالك ، وجمهور العلماء: إلى أنه ليس شيء من ذلك فسخا ولا طلاقا؛ بدليل حديث بريرة : أنها لما أعتقت خيرت. فلو كان عتقها طلاقا لما صح خيارها، فإنه كان يقع بنفس العتق. وهو يدل على أن الآية مقصورة على سببها. فإذا تقرر: أن السبي فسخ، فالمشهور من مذهبنا: أنه لا فرق بين أن يسبى الزوجان مجتمعين أو مفترقين. وروى ابن بكير عن مالك : أنهما إن سبيا جميعا، واستبقي الرجل، أقرا على نكاحهما. فرأى في هذه الرواية: أن استبقاءه إبقاء لما يملكه؛ لأنه قد صار له عهد، وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يحال بينها وبينه.

                                                                                              والصحيح الأول للتمسك بظاهر الآية كما تقدم، ولأنها قد ملكت رقبتها بالسباء، فتملك جميع منافعها، ولا ينتقض ذلك بالبيع، ولا بغيره من الوجوه التي تنقل الملك المذكور على ما تقدم، لأنها خروج من مالك ملكا محققا، والكافر لا يملك ملكا محضا، فافترقا.

                                                                                              و (قوله: في سبي أوطاس ) قد قدمنا أن غزوة أوطاس هي غزوة حنين. وقول من قال: إن ذلك كان في خيبر وهم.

                                                                                              [ ص: 193 ] و (قوله: تحرجوا من غشيانهن ) أي: خافوا الحرج، وهو: الإثم هنا. وفي "الأم" في إحدى الروايات: (تحوبوا) أي: خافوا الحوب. وهو الإثم أيضا. و ( غشيانهن ) أي: وطؤهن.

                                                                                              و (قوله: من أجل أزواجهن ) أي: ظنوا أن نكاح أزواجهن لم تنقطع عصمته. وفي هذا ما يدل على وجوب توقف الإنسان، وبحثه، وسؤاله عما لا يتحقق وجهه، ولا حكمه. وهو دأب من يخاف الله تعالى. ولا يختلف في أن ما لا يتبين حكمه لا يجوز الإقدام عليه.

                                                                                              و (قوله: فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن ) يعني بالعدة: الاستبراء من ماء الزوج الكافر، وذلك يكون بحيضة واحدة، فإن نكاح الكافر فاسد عندنا بحكم [ ص: 194 ] الأصالة على المشهور. وهو الصحيح لعرو أنكحتهم عن الشروط الشرعية.

                                                                                              وقد تقدم من حكاية الحسن : أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستبرئون المسبية بحيضة. وأما على قول من يرى أن أنكحتهم صحيحة - وهو الشافعي ، وأبو حنيفة - فتعتد عدة كاملة؛ لأنها قد انفسخ عنها نكاح صحيح كان، لولا أن عارض السبي قطعه، وهي أولى بذلك على مذهب الحسن الذي يقول: إن نكاحها ينفسخ بطلاق، فتكون مطلقة من زوج في نكاح صحيح، وتعتد عدة كاملة. وهل تعتد على مذاهب هؤلاء عدة الأمة، أو عدة الحرة؛ فيه نظر على أصولهم.




                                                                                              الخدمات العلمية