الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الحادي والثلاثون

معرفة الغريب والعزيز من الحديث

روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أنه قال: " الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم، إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريبا، فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة، واشتركوا في حديث يسمى عزيزا، فإذا روى الجماعة عنهم حديثا سمي مشهورا".

قلت : الحديث الذي يتفرد به بعض الرواة يوصف بالغريب، وكذلك الحديث الذي يتفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره : إما في متنه، وإما في إسناده ، وليس كل ما يعد من أنواع الأفراد معدودا من أنواع الغريب، كما في الأفراد المضافة إلى البلاد على ما سبق شرحه .

ثم إن الغريب ينقسم إلى صحيح، كالأفراد المخرجة في الصحيح، وإلى غير صحيح، وذلك هو الغالب على الغرائب . روينا عن أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - أنه قال غير مرة : "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرايب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء".

وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر :

فمنه ما هو (غريب متنا وإسنادا) وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد.

ومنه ما هو (غريب إسنادا لا متنا) كالحديث الذي متنه معروف مروي عن جماعة من الصحابة، إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر كان غريبا من ذلك الوجه مع أن متنه غير غريب . ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة ، وهذا الذي يقول فيه الترمذي : "غريب من هذا الوجه".

ولا أرى هذا النوع ينعكس، فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به، فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا، وغريبا متنا وغير غريب إسنادا، لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد ، فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر، كحديث : "إنما الأعمال بالنيات " وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة، والله أعلم.

[ ص: 812 ] [ ص: 813 ] [ ص: 814 ]

التالي السابق


[ ص: 812 ] [ ص: 813 ] [ ص: 814 ] النوع الحادي والثلاثون

معرفة الغريب والعزيز.

132 - قوله: ( وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر ، فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا، ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا) ثم قال: (ولا أرى هذا النوع ينعكس، فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به، فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا، وغريبا متنا وغير غريب إسنادا، لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد ، فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر، كحديث : "إنما الأعمال بالنيات" ) انتهى.

استبعد المصنف وجود حديث غريب متنا لا إسنادا، إلا بالنسبة إلى طرفي [ ص: 815 ] الإسناد، وأثبت أبو الفتح اليعمري هذا القسم مطلقا من غير حمل له على ما ذكره المصنف، فقال في (شرح الترمذي): "الغريب على أقسام: غريب سندا ومتنا، ومتنا لا سندا، وسندا لا متنا، وغريب بعض السند فقط، وغريب بعض المتن فقط" ثم أشار إلى أنه أخذ ذلك من كلام محمد بن طاهر المقدسي؛ فإنه قسم الغرائب والأفراد إلى خمسة أنواع، خامسها: أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من روايتهم، وسنن يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها في غير مصرهم.

ثم تكلم أبو الفتح اليعمري على الأقسام التي ذكرها ابن طاهر، ثم قال: "وأما النوع الخامس فيشمل الغريب كله سندا ومتنا أو أحدهما دون الآخر".

قال: "وقد ذكر أبو محمد بن أبي حاتم بسند له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال له مالك: إن شئت خلل وإن شئت لا تخلل، وكان عبد الله بن وهب حاضرا، فعجب من جواب مالك، وذكر لمالك في ذلك حديثا بسند مصري صحيح، وزعم أنه معروف عندهم، فاستفاد مالك الحديث، واستعاد السائل فأمره بالتخليل، هذا أو معناه" انتهى كلامه.

[ ص: 816 ] والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي من رواية ابن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن [ ص: 817 ] الحبلي، عن المستورد بن شداد، قال الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة" انتهى.

ولم ينفرد به ابن لهيعة، بل تابعه عليه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، رواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن عبد الرحمن بن [ ص: 818 ] وهب، عن عمه عبد الله بن وهب، عن الثلاثة المذكورين، وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخي ابن وهب، فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة، والمتن غريب. والله أعلم.

ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد أن يكون ذلك الإسناد مشهورا جادة لعدة من الأحاديث، بأن يكونوا مشهورين برواية بعضهم عن بعض، ويكون المتن غريبا لانفرادهم به. والله أعلم.




الخدمات العلمية