الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود

                                                                                                          1430 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها قال وفي الباب عن مسعود ابن العجماء وابن عمر وجابر قال أبو عيسى حديث عائشة حديث حسن صحيح ويقال مسعود بن الأعجم وله هذا الحديث

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أن قريشا أهمتهم ) وفي المشكاة أهمهم بالتذكير أي : أحزنهم وأوقعهم في الهم ، قال التوربشتي يقال : أهمني الأمر إذا أقلقك وأحزنك ( شأن المرأة المخزومية ) أي : المنسوبة إلى بني مخزوم قبيلة كبيرة من قريش منهم أبو جهل ، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة ( التي سرقت ) أي : وكانت تستعير المتاع وتجحده أيضا ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ( فقالوا ) أي [ ص: 581 ] قومها ( من يكلم ) أي : بالشفاعة ( فيها ) أي : في شأنها ظنا منهم أن الحدود تندرئ بالشفاعة كما أنها تندرئ بالشبهة ( من يجترئ عليه ) أي : من يتجاسر عليه ( إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بكسر الحاء أي : محبوبه ، وهو بالرفع عطف بيان ، أو بدل من أسامة ، قال النووي : معنى يجترئ يتجاسر عليه بطريق الإدلال ، وهذه منقبة ظاهرة لأسامة ( فكلمه أسامة ) أي : فكلموا أسامة فكلمه أسامة ظنا منه أن كل شفاعة حسنة مقبولة ، وذهولا عن قوله تعالى من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها . ( أتشفع في حد من حدود الله ) الاستفهام للتوبيخ ( ثم قام فاختطب ) أي : بالغ في خطبته ، أو أظهر خطبته ، قاله القاري ، وقال : وهو أحسن من قول الشارح أي : خطب ( إنما أهلك ) بصيغة الفاعل قال القاري : وفي نسخة يعني : من المشكاة على بناء المفعول ( الذين من قبلكم ) يحتمل كلهم ، أو بعضهم ( أنهم كانوا ) أي : كونهم إذا سرق إلخ ، أو ما أهلكهم إلا لأنهم كانوا والحصر ادعائي إذ كانت فيهم أمور كثيرة من جملتها - أنهم كانوا ( إذا سرق فيهم الشريف ) أي : القوي ( تركوه ) أي : بلا إقامة الحد عليه ( وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ) أي : القطع ، أو غيره ( وايم الله ) بهمزة وصل وسكون ياء وضم ميم وبكسر وبفتح همزة ويكسر ، ففي القاموس وإيمن الله وإيم الله بكسر أولهما وإيم الله بكسر الهمزة والميم ، وهو اسم وضع للقسم ، والتقدير أيمن الله قسمي ، وفي النهاية : وأيم الله من ألفاظ القسم ، وفي همزها الفتح والكسر والقطع والوصل ، وفي شرح الجزرية لابن المصنف : الأصل فيها الكسر ؛ لأنها همزة وصل لسقوطها ، وإنما فتحت في هذا الاسم ؛ لأنه ناب مناب حرف القسم ، وهو الواو ففتحت لفتحها ، وهو عند البصريين مفرد وعند سيبويه من اليمن بمعنى البركة ، فكأنه قال : بركة الله قسمي ، وذهب الكوفيون إلى أنه جمع يمين وهمزته همزة قطع ، وإنما سقطت في الوصل لكثرة الاستعمال ، وفي المشارق لعياض : وأيم الله بقطع الألف ووصلها أصله أيمن فلما كثر في كلامهم حذف النون فقالوا أيم الله وقالوا أم الله وم الله . انتهى ، وفيه لغات كثيرة ذكرت في القاموس . ( لو أن فاطمة بنت محمد إلخ ) إنما ضرب المثل بفاطمة ؛ لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن [ ص: 582 ] مسعود بن العجماء ، ويقال ابن الأعجم وابن عمر وجابر ) أما حديث مسعود وجابر فلينظر من أخرجه ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد ، وأبو داود ، وفي الباب عن الزبير بن العوام أنه لقي رجلا قد أخذ سارقا ، وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله . فقال : لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير : إنما الشفاعة قبل أن يبلغ إلى السلطان فإذا بلغ إليه فقد لعن الشافع والمشفع . رواه مالك . قوله : ( حديث عائشة حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية