الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( باب الغين مع الراء )

                                                          ( غرب ) * فيه إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء ، أي : أنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده ، لقلة المسلمين يومئذ ، وسيعود غريبا كما كان : أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء . فطوبى للغرباء : أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام ويكونون في آخره ، وإنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا وآخرا ، ولزومهم دين الإسلام .

                                                          * ومنه الحديث اغتربوا لا تضووا الاغتراب : افتعال من الغربة ، وأراد تزوجوا إلى الغرائب من النساء غير الأقارب ، فإنه أنجب للأولاد .

                                                          ( س ) ومنه حديث المغيرة " ولا غريبة نجيبة " أي أنها مع كونها غريبة فإنها غير نجيبة الأولاد .

                                                          [ ص: 349 ] [ هـ ] ومنه الحديث " إن فيكم مغربين ، قيل : وما المغربون ؟ قال : الذين تشرك فيهم الجن " سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب ، أو جاءوا من نسب بعيد .

                                                          وقيل : أراد بمشاركة الجن فيهم أمرهم إياهم بالزنا ، وتحسينه لهم فجاء أولادهم من غير رشدة .

                                                          * ومنه قوله تعالى : وشاركهم في الأموال والأولاد .

                                                          [ هـ ] ومنه حديث الحجاج " لأضربنكم ضرب غريبة الإبل " هذا مثل ضربه لنفسه مع رعيته يهددهم ، وذلك أن الإبل إذا وردت الماء فدخل فيها غريبة من غيرها ضربت وطردت حتى تخرج منها .

                                                          * وفيه أنه أمر بتغريب الزاني سنة التغريب : النفي عن البلد الذي وقعت فيه الجناية . يقال : أغربته وغربته إذا نحيته وأبعدته . والغرب : البعد .

                                                          ( س ) ومنه الحديث أن رجلا قال له : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال : أغربها أي : أبعدها ، يريد الطلاق .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث عمر " قدم عليه رجل فقال له : هل من مغربة خبر ؟ " أي هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد . يقال : هل من مغربة خبر ؟ بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما ، وهو من الغرب : البعد : وشأو مغرب ومغرب : أي بعيد .

                                                          * ومنه الحديث " طارت به عنقاء مغرب " أي ذهبت به الداهية . والمغرب : المبعد في البلاد . وقد تقدم في العين .

                                                          [ هـ ] وفي حديث الرؤيا " فأخذ عمر الدلو فاستحالت في يده غربا " الغرب بسكون الراء : الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور ، فإذا فتحت الراء فهو الماء السائل بين البئر والحوض .

                                                          وهذا تمثيل ، ومعناه أن عمر لما أخذ الدلو ليستقي عظمت في يده ; لأن الفتوح كانت في زمنه أكثر منها في زمن أبي بكر . ومعنى استحالت : انقلبت عن الصغر إلى الكبر .

                                                          * ومنه حديث الزكاة وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر . [ ص: 350 ] * وفي الحديث الآخر " لو أن غربا من جهنم جعل في الأرض لآذى نتن ريحه وشدة حره ما بين المشرق والمغرب " .

                                                          ( هـ ) وفي حديث ابن عباس " ذكر الصديق فقال : كان والله برا تقيا يصادى غربه " وفي رواية " يصادى منه غرب " الغرب : الحدة ، ومنه غرب السيف . أي كانت تدارى حدته وتتقى .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث عمر " فسكن من غربه " .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث عائشة " قالت عن زينب : كل خلالها محمود ما خلا سورة من غرب كانت فيها " .

                                                          [ هـ ] وحديث الحسن " سئل عن القبلة للصائم فقال : إني أخاف عليك غرب الشباب " أي حدته .

                                                          [ هـ ] وفي حديث الزبير " فما زال يفتل في الذروة والغارب حتى أجابته عائشة إلى الخروج " الغارب : مقدم السنام ، والذروة : أعلاه ، أراد أنه ما زال يخادعها ويتلطفها حتى أجابته .

                                                          والأصل فيه أن الرجل إذا أراد أن يؤنس البعير الصعب ليزمه وينقاد له جعل يمر يده عليه ويسمح غاربه ويفتل وبره حتى يستأنس ويضع فيه الزمام .

                                                          * ومنه حديث عائشة " قالت ليزيد بن الأصم : رمي برسنك على غاربك " أي : خلي سبيلك فليس لك أحد يمنعك عما تريد ، تشبيها بالبعير يوضع زمامه على ظهره ويطلق يسرح أين أراد في المرعى .

                                                          * ومنه الحديث في كنايات الطلاق " حبلك على غاربك " أي : أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح .

                                                          [ هـ ] وفيه " أن رجلا كان واقفا معه في غزاة فأصابه سهم غرب " أي : لا يعرف راميه . [ ص: 351 ] يقال : سهم غرب بفتح الراء وسكونها ، وبالإضافة ، وغير الإضافة .

                                                          وقيل : هو بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري ، وهو بالفتح إذا رماه فأصاب غيره . والهروي لم يثبت عن الأزهري إلا الفتح . وقد تكرر في الحديث .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الحسن " ذكر ابن عباس فقال : كان مثجا يسيل غربا " الغرب : أحد الغروب ، وهي الدموع حين تجري . يقال : بعينه غرب إذا سال دمعها ولم ينقطع ، فشبه به غزارة علمه وأنه لا ينقطع مدده وجريه .

                                                          ( س ) وفي حديث النابغة " ترف غروبه " هي جمع غرب ، وهو ماء الفم وحدة الأسنان .

                                                          [ هـ ] وفي حديث ابن عباس " حين اختصم إليه في مسيل المطر فقال : المطر غرب ، والسيل شرق " ، أراد أن أكثر السحاب ينشأ من غرب القبلة ، والعين هناك : تقول العرب : مطرنا بالعين ، إذا كان السحاب ناشئا من قبلة العراق .

                                                          وقوله : " والسيل شرق " يريد أنه ينحط من ناحية المشرق ، لأن ناحية المشرق عالية وناحية المغرب منحطة .

                                                          قال ذلك القتيبي . ولعله شيء يختص بتلك الأرض التي كان الخصام فيها .

                                                          * وفيه " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق " قيل : أراد بهم أهل الشام ، لأنهم غرب الحجاز .

                                                          وقيل : أراد بالغرب الحدة والشوكة . يريد أهل الجهاد .

                                                          وقال ابن المديني : الغرب هاهنا الدلو ، وأراد بهم العرب ; لأنهم أصحابها وهم يستقون بها .

                                                          * وفيه " ألا وإن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس " أي : إلى وقت مغيبها . يقال : غربت الشمس تغرب غروبا ومغيربانا ، وهو مصغر على غير مكبره ، كأنهم صغروا مغربانا ، والمغرب في الأصل : موضع الغروب ، ثم استعمل في المصدر والزمان ، وقياسه الفتح ولكن استعمل بالكسر ، كالمشرق والمسجد .

                                                          [ ص: 352 ] ( س ) ومنه حديث أبي سعيد " خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مغيربان الشمس " .

                                                          ( س ) وفيه " أنه ضحك حتى استغرب " أي : بالغ فيه . يقال : أغرب في ضحكه واستغرب ، وكأنه من الغرب : البعد . وقيل : هو القهقهة .

                                                          * ومنه حديث الحسن " إذا استغرب الرجل ضحكا في الصلاة أعاد الصلاة " وهو مذهب أبي حنيفة ، ويزيد عليه إعادة الوضوء .

                                                          ( س ) وفي دعاء ابن هبيرة " أعوذ بك من كل شيطان مستغرب ، وكل نبطي مستعرب " قال الحربي : أظنه الذي جاوز القدر في الخبث ، كأنه من الاستغراب في الضحك . ويجوز أن يكون بمعنى المتناهي في الحدة ، من الغرب : الحدة .

                                                          ( س ) وفيه " أنه غير اسم غراب " لما فيه من البعد ، ولأنه من خبث الطيور .

                                                          ( س ) وفي حديث عائشة " لما نزل " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " فأصبحن على رءوسهن الغربان " شبهت الخمر في سوادها بالغربان ، جمع غراب ، كما قال الكميت : *

                                                          كغربان الكروم الدوالح



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية