الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الموفي ثلاثين

معرفة المشهور من الحديث

ومعنى الشهرة مفهوم، وهو منقسم إلى : صحيح، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات " وأمثاله .

وإلى غير صحيح ، كحديث : " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".

وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال : "أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق ليس لها أصل : "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" و"من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة" و"نحركم يوم صومكم" و"للسائل حق وإن جاء على فرس ".

وينقسم من وجه آخر إلى : ما هو مشهور بين أهل الحديث وغيرهم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ". وأشباهه .

وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم، كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا بعد الركوع، يدعو على رعل وذكوان ".

فهذا مشهور بين أهل الحديث، مخرج في الصحيح، وله رواة عن أنس غير أبي مجلز، ورواه عن أبي مجلز غير التيمي، ورواه عن التيمي غير الأنصاري، ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة. وأما غيرهم فقد يستغربونه من حيث : إن التيمي يروي عن أنس، وهو هاهنا يروي عن واحد، عن أنس.

[ ص: 762 ] [ ص: 763 ] [ ص: 764 ] [ ص: 765 ] [ ص: 766 ]

التالي السابق


[ ص: 762 ] [ ص: 763 ] [ ص: 764 ] [ ص: 765 ] [ ص: 766 ] النوع الموفي ثلاثين

معرفة المشهور.

129 - قوله: (وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال : "أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق ليس لها أصل" :

"من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة"

و"من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة"

و"نحركم يوم صومكم"

و"للسائل حق وإن جاء على فرس ")

قلت: لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد؛ فإنه أخرج حديثا منها في المسند، وهو حديث: "للسائل حق وإن جاء على فرس".

وقد ورد من حديث الحسين بن علي وأبيه علي وابن عباس والهرماس بن زياد.

أما حديث الحسين بن علي بن أبي طالب فأخرجه أبو داود من رواية [ ص: 767 ] يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن حسين بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل حق وإن جاء على فرس" رواه أحمد في مسنده، عن وكيع وعبد الرحمن بن محمد، كلاهما عن سفيان، عن مصعب بن محمد، [ ص: 768 ] عن يعلى بن أبي يحيى، وهذا إسناد جيد، وقد سكت عليه أبو داود، فهو عنده صالح، ويعلى هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وجهله أبو حاتم، وباقي رجاله ثقات.

وأما حديث علي فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير، عن شيخ، [ ص: 769 ] قال: رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدي في (الكامل) من رواية إبراهيم بن يزيد، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أورده في ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المكي المخزومي راويه عن إبراهيم بن [ ص: 770 ] يزيد، وقال: "هذا معروف بغير إبراهيم هذا، عن إبراهيم بن يزيد، سرقه ممن هو معروف به" قال: "وإبراهيم بن عبد السلام في جملة الضعفاء المجهولين".

وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبراني من رواية عثمان بن فايد، عن عكرمة بن عمار، عن الهرماس بن زياد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

[ ص: 771 ] وعثمان بن فايد ضعفه ابن معين والبخاري وابن حبان وغيرهم.

وكذلك حديث: "من آذى ذميا" فهو معروف أيضا بنحوه، رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق [ ص: 772 ] طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس - فأنا حجيجه يوم القيامة" سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح، وهو كذلك إسناده جيد، وهو وإن كان فيه من لم يسم فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة، فقد رويناه في سنن البيهقي الكبرى، فقال في روايته: "عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما.

قال ابن الجوزي في الموضوعات: وتذكر العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة" قال أحمد بن حنبل: "لا أصل لهذا".

وروى الطبراني من رواية أبي شيبة القاضي، عن آدم بن علي، عن [ ص: 773 ] عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هلك قوم إلا في آذار ولا تقوم الساعة إلا في آذار".

أبو شيبة قاضي واسط اسمه إبراهيم بن عثمان، وهو جد أبي بكر بن أبي شيبة، كذبه شعبة، وقال ابن معين: "ليس بثقة" وبالجملة فهو متفق على ضعفه.

وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر الزيات في كتاب له فيه [ ص: 774 ] أخبار عن مالك والشافعي وابن وهب وابن عبد الحكم قال: قال محمد بن عبد الله - هو ابن عبد الحكم - في الحديث الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم صومكم يوم نحركم" قال: هذا من حديث الكذابين. والله أعلم.




الخدمات العلمية