الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والزنا وطء في قبل خال عن الملك وشبهته ) بيان لمعناه الشرعي ، واللغوي ، فإنهما سواء فيه وخرج الوطء في الدبر وخرج وطء زوجته وأمته ومن له فيها شبهة ملك ودخل وطء الأب جارية ابنه ، فإنه زنا شرعي بدليل أنه لا يحد قاذفه بالزنا ، وإن لم يجب الحد عليه ، والمراد وطء الرجل فخرج الصبي لكن يرد عليه المرأة ، فإن فعلها ليس وطئا ، وإنما هو تمكين منه .

                                                                                        والجواب أن تسميتها زانية مجاز ، والكلام في الحقيقة [ ص: 4 ] ولم يقصد المصنف تعريف الزنا الموجب للحد كما توهمه الزيلعي ، فإنه لو كان كذلك لانتقض التعريف طردا وعكسا أما انتقاضه طردا ، فإنه يوجد في المجنون ، والمكره وفي وطء الصبية التي لا تشتهى ، والميتة ، والبهيمة وفي دار الحرب ولا يجب الحد في هذه المواضع وهو زنا شرعي ، وأما انتقاضه عكسا فبزنا المرأة ، فإن الحد انتفى ولم ينتف المحدود وهو الزنا الموجب للحد فالزنا الموجب للحد هو وطء مكلف طائع مشتهاة حالا أو ماضيا في القبل بلا شبهة ملك في دار الإسلام أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته ، فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين .

                                                                                        والوطء هو إدخال قدر الحشفة من الذكر في القبل أو الدبر وبهذا عرف أن تعريف الزيلعي الزنا الموجب للحد بأنه وطء مكلف في قبل المشتهاة عار عن ملكه وشبهته عن طوع ليس بتام ، وإن قال إنه أتم كما لا يخفى وزاد في المحيط أن من شرائطه العلم بالتحريم حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة وأصله ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله عنه إن كان يعلم أن الله تعالى قد حرم الزنا فاجلدوه ، وإن كان لا يعلم فعلموه ، فإن عاد فاجلدوه ولأن الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم ، فإن كان الشيوع ، والاستفاضة في دار الإسلام أقيم مقام العلم ولكن لا أقل من إيراث شبهة لعدم التبليغ ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن الكون في دار الإسلام لا يقوم مقام العلم في وجوب الحد كما هو قائم مقامه في الأحكام كلها وتعقبه في فتح القدير بأن الزنا حرام في جميع الأديان ، والملل فالحربي إذا دخل دار الإسلام فأسلم فزنى وقال ظننت أنه حلال يحد ولا يلتفت إليه ، وإن كان فعله أول يوم دخله فكيف يقال إذا ادعى مسلم أصلي أنه لا يعلم حرمة الزنا إنه لا يحد لانتفاء شرط الحد ولو أنه أراد أن المعنى إن شرط الحد في نفس الأمر علمه بالحرمة في نفس الأمر .

                                                                                        فإذا لم يكن عالما لا حد عليه كان قليل الجدوى أو غير صحيح ; لأن الشرع لما أوجب على الإمام أن يحد هذا الرجل الذي ثبت زناه عنده عرف ثبوت الوجوب في نفس الأمر ; لأنه [ ص: 5 ] لا معنى لكونه واجبا في نفس الأمر ; لأنه يكفيه فيما بينه وبين الله تعالى التوبة ، والإنابة ثم إذا اتصل بالإمام ثبوته وجب على الإمام إقامة الحد ا هـ .

                                                                                        وهو مقصور في اللغة الفصحى لغة أهل الحجاز التي جاء بها القرآن ويمد في لغة نجد ، والمراد بالملك هنا الأعم من ملك العين ومن ملك حقيقة الاستمتاع ودخل تحت شبهة الملك حق الملك وشبهة النكاح وشبهة الاشتباه وقد فصلها في البدائع فقال العاري عن حقيقة الملك وعن شبهته وعن حق الملك وعن حقيقة النكاح وشبهته وعن شبهة الاشتباه في موضع الاشتباه في الملك ، والنكاح جميعا ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية والذي يجن ويفيق إذا زنا في حال إفاقته أخذ بالحد ، وإن قال زنيت في حال جنوني لا يحد كالبالغ إذا قال زنيت في حال الصبا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله والجواب أن تسميتها زانية مجاز والكلام في الحقيقة ) اعلم أنه لما كانت [ ص: 4 ] المرأة تحد حد الزنا وقد سماها الله تعالى زانية في قوله تعالى { الزانية والزاني } علم أنها تسمى زانية حقيقة ولا يلزم من كونها لا تسمى واطئة أنها زانية مجازا فلذا زاد في التعريف تمكينها حتى يدخل فعلها في المعرف وهو الزنا الموجب للحد فلو لم يكن تمكينها زنا حقيقة لما احتيج إلى إدخاله في التعريف وهو أيضا إمارة كونها زانية حقيقة وإن لم تكن واطئة كما أن الرجل يسمى زانيا حقيقة بالتمكين وإن لم يوجد منه الوطء حقيقة وبه سقط ما في البحر من أن تسميتها زانية مجاز فافهم ا هـ .

                                                                                        يقول الفقير أحمد جامع هذه الحواشي هذه المقولة لم أرها بخط شيخنا على هامش البحر هنا وإنما أفادها في حاشيته على الدر المختار فليحفظ فرحمه الله تعالى على ممر الأزمان على تحقيقه الفريد في كل مكان ( قوله ولم يقصد المصنف تعريف الزنا الموجب للحد إلخ ) قال في النهر : أنت خبير بأن نقض الطرد إنما يتم بتقدير كون التعريف للزنا الموجب للحد ولا نسلمه بل هو للزنا الشرعي ولا يرد زنا المرأة بالعكس لأنه ليس زنا حقيقة ولا يخفى أن تمكينه يرد على العكس ولو أريد به الشرعي إلا أن يراد بالوطء كون الحشفة في قبل مشتهاة والحق أن هذا التعريف للزنا الموجب للحد وتلك الشروط المزيدة خارجة عن الماهية وقد مر نظيره ثم رأيت الرازي قال بعد ذكر تعريف المصنف ، وأما كون الزاني مكلفا طائعا وكون الزانية مشتهاة فشرط لإجراء الحكم عليهما وقول الشارح لو عرفه بما قال لكان أتم أي أوفى بالشروط نعم بقي أنه لا بد من كونه في دار الإسلام حتى لو زنى في دار الحرب لا حد عليه كما سيأتي وهذا الشرط أومأ إليه المصنف بقوله ومكانه ( قوله : وتعقبه في فتح القدير إلخ ) ذكره في الفتح في الباب الآتي عند قوله : وإن وطئ جارية أخيه أو عمه وقال ظننت أنها تحل لي حد قال أي إن علم أن الزنا حرام لكنه ظن أن وطأه هذه ليس زنا محرما فلا يعارض ما في المحيط من قوله شرط وجوب الحد أن يعلم أن الزنا حرام وإنما ينفيه مسألة الحربي إذا دخل دار الإسلام إلى آخر ما ذكرهالمؤلف وقد أقر هذا التعقب في الرمز والنهر والمنح والشرنبلالية ونازع فيه بعضهم بما مر عن عمر كيف والباب تدرأ فيه الشبهات ولعل مسألة الحربي على قول من لم يشترط العلم تأمل قلت : وقد ذكر المحقق في تحريره الأصولي الفرع المذكور ، وقال فما في المحيط وغيره مشكل وقال شارحه العلامة ابن أمير حاج بعد نقله عبارة المحيط ما نصه غير أن ظاهر قول المبسوط عقب هذا الأثر فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الأحكام ا هـ .

                                                                                        يشير إلى أن هذا الظن في هذا الزمان لا يكون شبهة معتبرة لاشتهار الأحكام فيه ولكن هذا إنما يكون مفيدا للعلم بالنسبة إلى الناشئ في دار الإسلام والمسلم المهاجر المقيم بها مدة يطلع فيها على ذلك ، فأما المسلم المهاجر إليها الواقع منه ذلك في فور دخوله فلا وقد قال المصنف في شرح الهداية ونقل في اشتراط [ ص: 5 ] العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء ا هـ .

                                                                                        وهو مفيد أن جهله يكون عذرا وإذا لم يكن عذرا بعد الإسلام ولا قبله فمتى يتحقق كونه عذرا ، وأما نفي كونه عذرا في حالة الكفر لتقصيره في الطلب لمعرفة هذا الحكم في تلك الحالة كما تقدم فمحل نظر وحينئذ فالفرع المذكور هو المشكل فليتأمل ا هـ .

                                                                                        ( قوله : لأنه لا معنى لكونه واجبا في نفس الأمر ) تمام عبارة الفتح هكذا إلا وجوبه على الإمام لأنه لا يجب على الزاني أن يحد نفسه ولا أن يقر بالزنا بل الواجب عليه في نفس الأمر بينه وبين الله تعالى التوبة والإنابة إلخ ( قوله : وشبهة الاشتباه ) هذا مقيد بأن يدعي الحل كما سيأتي متنا في الباب التالي .




                                                                                        الخدمات العلمية