الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما ذكر في إحياء أرض الموات

                                                                                                          1378 حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الوهاب الثقفي أخبرنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول أحمد وإسحق قالوا له أن يحيي الأرض الموات بغير إذن السلطان وقد قال بعضهم ليس له أن يحييها إلا بإذن السلطان والقول الأول أصح قال وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني جد كثير وسمرة حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال سألت أبا الوليد الطيالسي عن قوله وليس لعرق ظالم حق فقال العرق الظالم الغاصب الذي يأخذ ما ليس له قلت هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره قال هو ذاك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          بفتح الميم قال في النهاية الموات الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ، ولا جرى عليه ملك أحد وإحياؤها مباشرة عمارتها ، وتأثير شيء فيها .

                                                                                                          قوله : ( من أحيا أرضا ميتة ) الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت ، قال الزرقاني : ميتة بالتشديد ، قال العراقي : ولا يقال بالتخفيف ؛ لأنه إذا خفف تحذف منه تاء التأنيث ، والميتة والموات والموتان بفتح الميم والواو التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها له بالميتة التي لا ينتفع بها لعدم الانتفاع بها بزرع ، أو غرس ، أو بناء ، أو نحوها . انتهى . ( فهي له ) أي : صارت تلك الأرض مملوكة له سواء كانت فيها قرب من العمران أم بعد سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن ، وهذا قول الجمهور ، وعن أبي حنيفة لا بد من إذن الإمام مطلقا وعن مالك : فيما قرب ، وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه ، واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر ، وما يصطاد من طير وحيوان . فإنهم اتفقوا على أن من أخذه ، أو صاده يملكه سواء قرب ، أو بعد سواء أذن الإمام ، أو لم يأذن ، كذا في الفتح . قلت : خالف أبا حنيفة صاحباه فقالا بقول الجمهور ، وحجة الجمهور حديث الباب ، وما في معناه ، وهو الظاهر الراجح ، وقد قال الترمذي إنه أصح ، واستدل لأبي حنيفة بحديث الأرض لله ورسوله ، ثم لكم من بعدي فمن أحيا شيئا من موتات الأرض فله رقبتها أخرجه ابن يوسف في كتاب الخراج فإنه أضافه إلى الله ورسوله ، وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص به إلا بإذن الإمام . قلت : لم أقف على سند هذا الحديث ، ولا أدري كيف هو وعلى تقدير صحته فالكبرى ممنوعة . لحديث الباب ولقوله في هذا الحديث ( فمن أحيا شيئا ) إلخ فتفكر ، واستدل له أيضا بحديث : ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه . قلت : هذا حديث ضعيف قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكره : رواه الطبراني ، وفيه ضعف من حديث معاذ . انتهى ( وليس لعرق ) بكسر العين وسكون الراء ، وهو أحد عروق الشجرة ( ظالم ) قال الحافظ في الفتح : [ ص: 525 ] في رواية الأكثر بتنوين عرق ، ( وظالم ) نعت له ، وهو راجع إلى صاحب العرق أي : ليس لذي عرق ظالم أو الى العرق أي : ليس لعرق ذي ظلم ، ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد بالعرق الأرض ، وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري ، وابن فارس ، وغيرهم ، وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة . انتهى ، قال في النهاية : هو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوجب به الأرض والرواية لعرق بالتنوين ، وهو على حذف المضاف أي : لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالما ، والحق لصاحبه ، أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق ، وإن روي عرق بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق والحق المعرق ، وهو أحد عروق الشجرة . انتهى قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أبو داود ، والنسائي وسكت عنه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأخرجه النسائي قوله : ( وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ) هذا المرسل أخرجه أبو داود ، والنسائي ، ومالك . قوله : ( وهو قول أحمد وإسحاق ) وهو قول الجمهور كما تقدم ( وقالوا ) أي : بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم ( له ) أي : يجوز لمن أراد إحياء الأرض الميتة ( وقال بعضهم ليس له أن يحييها إلا بإذن السلطان ) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد رحمه الله في الموطإ بعد ذكر حديث الباب مرسلا وأثر عن عمر رضي الله عنه بمثله ما لفظه : قال محمد وبهذا نأخذ من أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام ، أو بغير إذنه فهي له . فأما أبو حنيفة رحمه الله فقال : لا يكون له إلا أن يجعلها له الإمام ، قال وينبغي للإمام إذا أحياها أن يجعلها له ، وإن لم يفعل لم تكن له . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر رضي الله عنه ) لعله أشار إلى ما أخرجه النسائي عنه بلفظ : من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة . ( وعمرو بن عوف المزني جد كثير ) أخرجه [ ص: 526 ] ابن أبي شيبة ، والبزار في مسنديهما والطبراني في معجمه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ حديث سعيد بن زيد ، ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بكثير وضعفه عن أحمد والنسائي وابن معين جدا ، كذا في نصب الراية .

                                                                                                          ( وسمرة ) لينظر من أخرج حديثه .

                                                                                                          قوله : ( قال سألت أبا الوليد الطيالسي ) هو هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ الإمام الحجة قال أحمد : متقن ، وهو اليوم شيخ الإسلام ما أقدم عليه أحدا من المحدثين ، قال البخاري : مات سنة سبع وعشرين ومائتين ( قلت : هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره ) بتقدير همزة الاستفهام والقائل هو محمد بن المثنى ( قال ) أي : أبو الوليد .




                                                                                                          الخدمات العلمية