الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في اللقطة وضالة الإبل والغنم

                                                                                                          1372 حدثنا قتيبة حدثنا إسمعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال عرفها سنة ثم اعرف وكاءها ووعاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه فقال له يا رسول الله فضالة الغنم فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب فقال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه فقال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى تلقى ربها حديث زيد بن خالد حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه وحديث يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد حديث حسن صحيح وقد روي عنه من غير وجه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          اللقطة الشيء يلتقط ، وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة والمحدثين ، وقال عياض : لا يجوز غيره ، وقال الزمخشري في الفائق : اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها ، كذا قال ، وقد جزم الخليل بأنها بالسكون ، قال : وأما بالفتح فهو اللاقط ، وقال الأزهري : هذا الذي قاله هو القياس ، ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث بالفتح ، كذا في الفتح ، والضال في الحيوان كاللقطة في غيره .

                                                                                                          قوله : ( ثم اعرف وكاءها ) في النهاية الوكاء هو الخيط الذي تشد به الصرة والكيس ونحوهما . ( ووعاءها ) تقدم معناه ( وعفاصها ) بكسر أوله أي : وعاءها . في الفائق العفاص الوعاء الذي يكون فيه اللقطة من جلد ، أو خرقة ، أو غير ذلك ، قال ابن [ ص: 515 ] عبد الملك : وإنما أمر بمعرفتها ليعلم صدق وكذب من يدعيها . في شرح السنة اختلفوا في تأويل قوله : اعرف عفاصها في أنه لو جاء رجل وادعى اللقطة وعرف عفاصها ووكاءها ، هل يجب الدفع إليه ؟ فذهب مالك ، وأحمد إلى أنه يجب الدفع إليه من غير بينة ، إذ هو المقصود من معرفة العفاص والوكاء ، وقال الشافعي وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله : إذا عرف الرجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه صادق فله أن يعطيه ، وإلا فببينة ؛ لأنه قد يصيب في الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها ، فعلى هذا تأويل قوله : اعرف عفاصها ووكاءها لئلا تختلط بماله اختلاطا لا يمكنه التمييز إذا جاء مالكها . انتهى ما في المرقاة . قلت : قد وقع في حديث أبي بن كعب عند مسلم ، وغيره : فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه ، قال الحافظ في الفتح : وقد أخذ بظاهر هذه الزيادة مالك ، وأحمد ، وقال أبو حنيفة والشافعي : إن وقع في نفسه صدقه جاز أن يدفع إليه ، ولا يجبر على ذلك إلا ببينة ؛ لأنه قد يصيب الصفة ، وقال الخطابي : إن صحت هذه اللفظة لم يجز مخالفتها ، وهي فائدة قوله اعرف عفاصها إلخ ، وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة قال : ويتأول قوله : اعرف عفاصها . على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله ، أو لتكون الدعوى فيها معلومة ، قال الحافظ : قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها . انتهى . قلت : قد ذكر وجه صحة هذه الزيادة في الفتح ، من شاء الوقوف على ذلك فليرجع إليه . ( فإن جاء ربها ) أي : مالك اللقطة ( فأدها إليه ) فيه دليل على بقاء ملك مالك اللقطة خلافا لمن أباحها بعد الحول بلا ضمان ( فضالة الغنم ) بتشديد اللام أي : غاويتها ، أو متروكتها مبتدأ خبره محذوف أي : ما حكمها ( هي لك ) أي : إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها فإن لك أن تملكها ( أو لأخيك ) يريد به صاحبها ، والمعنى : إن أخذتها فظهر مالكها فهو له ، أو تركتها فاتفق أن صادفها فهو أيضا له ، وقيل معناه : إن لم تلتقطها يلتقطها غيرك ( أو للذئب ) بالهمزة وإبداله . أي : إن تركت أخذها الذئب ، وفيه تحريض على التقاطها ، قال الطيبي : أي : تركتها ولم يتفق أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالبا . نبه بذلك على جواز التقاطها وتملكها وعلى ما هو العلة لها ، وهي كونها معرضة للضياع ليدل على اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعي بغير راع ( احمرت وجنتاه ) أي : خداه ( أو احمر وجهه ) شك من الراوي ( مالك ولها ) أي : شيء لك ولها . قيل ما شأنك معها أي : اتركها ، ولا تأخذها ( معها حذاؤها وسقاؤها ) الحذاء بالمد النعل والسقاء بالكسر القربة ، والمراد هنا بطنها وكروشها ، فإن فيه رطوبة يكفي أياما كثيرة من الشرب . فإن الإبل قد يتحمل من الظماء ما لا يتحمله سواه من البهائم ، ثم أراد أنها تقوى على المشي وقطع الأرض وعلى قصد المياه وورودها ورعي الشجر [ ص: 516 ] والامتناع عن السباع المفترسة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر ) في حاشية النسخة الأحمدية ، كذا في أكثر النسخ ، وفي نسخة صحيحة عبد الله بن عمرو بالواو ، وعليه يدل بعض القرائن . انتهى . قلت : الأمر كما في هذه الحاشية ( والجارود بن المعلى وعياض بن حمار وجرير بن عبد الله ) أما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد ، ومسلم ، وأما حديث عبد الله بن عمر بغير الواو على ما في أكثر النسخ فلم أقف عليه ، وأما حديث عبد الله بن عمرو بالواو فأخرجه النسائي ، وأبو داود .

                                                                                                          وأما حديث الجارود فأخرجه الدارمي عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضالة المسلم حرق النار وأما حديث عياض بن حمار فأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه مرفوعا بلفظ : لا يأوي الضالة إلا ضال . قوله : ( حديث زيد بن خالد حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان ( وحديث يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد حديث حسن صحيح ، وقد روي عنه من غير وجه ) الظاهر أن هذا تكرار .




                                                                                                          الخدمات العلمية