الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 271 ] 472

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة .

ذكر فتوح إبراهيم صاحب غزنة في بلاد الهند .

في هذه السنة غزا الملك إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين بلاد الهند ، فحصر قلعة أجود ، وهي على مائة وعشرين فرسخا من لهاوور ، وهي قلعة حصينة ، في غاية الحصانة ، كبيرة ، تحوي عشرة آلاف رجل من المقاتلة ، فقاتلوه ، وصبروا تحت الحصر ، وزحف إليهم غير مرة ، فرأوا من شدة حربه ما ملأ قلوبهم خوفا ورعبا ، فسلموا القلعة ( إليه في الحادي والعشرين من صفر هذه السنة .

وكان في نواحي الهند قلعة ) يقال لها قلعة روبال ، على رأس جبل شاهق ، وتحتها غياض أشبة ، وخلفها البحر ، وليس عليها قتال إلا من مكان ضيق ، وهو مملوء بالفيلة المقاتلة ، وبها من رجال الحرب ألوف كثيرة ، فتابع عليهم الوقائع ، وألح عليهم بالقتال بجميع أنواع الحرب ، وملك القلعة ، واستنزلهم منها .

وفي موضع يقال له دره نوره أقوام من أولاد الخراسانيين ، الذين جعل أجدادهم فيها أفراسياب التركي من قديم الزمان ، ولم يتعرض إليهم أحد من الملوك ، فسار إليهم إبراهيم ، ودعاهم إلى الإسلام أولا ، فامتنعوا من إجابته ، وقاتلوه ، فظفر بهم ، وأكثر القتل فيهم ، وتفرق من سلم في البلاد ، وسبى واسترق من النسوان والصبيان [ ص: 272 ] مائة ألف . وفي هذه القلعة حوض للماء يكون قطره نحو نصف فرسخ لا يدرك قعره ، يشرب منه أهل القلعة وجميع ما عندهم من دابة ، ولا يظهر فيه نقص .

وفي بلاد الهند موضع يقال له وره ، وهو بر بين خليجين ، فقصده الملك إبراهيم ، فوصل إليه في جمادى الأولى ، وفي طريقه عقبات كثيرة ، وفيها أشجار ملتفة ، فأقام هناك ثلاثة أشهر ولقي الناس من الشتاء شدة ، ولم يفارق الغزوة حتى أنزل الله نصره على أوليائه ، وذله على أعدائه ، وعاد إلى غزنة سالما مظفرا .

هذه الغزوات لم أعرف تاريخها ، ( وأما الأولى فكانت هذه السنة ) ، فلهذا أوردتها متتابعة في هذه السنة .

ذكر ملك شرف الدولة مسلم مدينة حلب .

في هذه السنة ملك شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي ، صاحب الموصل ، مدينة حلب .

( وسبب ذلك أن تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ) حصرها مرة بعد أخرى ، فاشتد الحصار بأهلها ، وكان شرف الدولة يواصلهم بالغلات وغيرها .

ثم إن تتش حصرها هذه السنة ، وأقام عليها أياما ورحل عنها وملك بزاغة والبيرة ، وأحرق ربض عزاز ، وعاد إلى دمشق .

فلما رحل عنها تاج الدولة استدعى أهلها شرف الدولة ليسلموها إليه ، فلما [ ص: 273 ] قاربها امتنعوا من ذلك ، وكان مقدمهم يعرف بابن الحتيتي العباسي ، فاتفق أن ولده خرج يتصيد بضيعة له ، فأسره أحد التركمان وهو صاحب حصن بنواحي حلب ، وأرسله إلى شرف الدولة ، فقرر معه أن يسلم البلد إليه إذا أطلقه ، فأجاب إلى ذلك ، فأطلقه ، فعاد إلى حلب ، واجتمع بأبيه ، وعرفه ما استقر ، فأذعن إلى تسليم البلد ، ونادى بشعار شرف الدولة ، وسلم البلد إليه ، فدخله سنة ثلاث وسبعين [ وأربعمائة ] ، وحصر القلعة ، واستنزل منها سابقا ووثابا ابني محمود بن مرداس ، فلما ملك البلد أرسل ولده ، وهو ابن عمة السلطان ، إلى السلطان يخبره بملك البلد ، وأنفذ معه شهادة فيها خطوط المعدلين بحلب بضمانها ، وسأل أن يقرر عليه الضمان ، فأجابه السلطان إلى ما طلب ، وأقطع ابن عمته مدينة بالس .

ذكر مسير ملكشاه إلى كرمان .

في أول هذه السنة سار السلطان ملكشاه إلى بلاد كرمان ، فلما سمع صاحبها سلطانشاه بن قاورت بك ، وهو ابن عم السلطان ، بوصوله إليها خرج إلى طريقه ولقيه وحمل له الهدايا الكثيرة ، وخدمه ، وبالغ في الخدمة ، فأقره السلطان على البلاد ، وأحسن إليه ، وعاد عنه في المحرم سنة ثلاث وسبعين [ وأربعمائة ] إلى أصبهان .

ذكر عدة حوادث .

في هذه السنة ولد للخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين ولد سماه موسى ، وكناه أبا جعفر ، وزينت بغداذ سبعة أيام .

وفيها وصل السلطان ملكشاه إلى خوزستان متصيدا ، فوصل معه خمارتكين [ ص: 274 ] وكوهرائين [ وكانا يسعيان ] في قتل ابن علان اليهودي ، ضامن البصرة ، وكان ملتجئا إلى نظام الملك ، وكان بين نظام الملك وخمارتكين الشرابي وكوهرائين عداوة ، فسعيا باليهودي لذلك ، فأمر السلطان بتغريقه فغرق ، وانقطع نظام الملك عن الركوب ثلاثة أيام ، وأغلق بابه ، ثم أشير عليه بالركوب فركب ، وعمل للسلطان دعوة عظيمة قدم فيها أشياء كثيرة ، وعاتبه على فعله ، فاعتذر إليه .

وكان أمر ( اليهودي قد عظم ) إلى حد أن زوجته توفيت ، فمشى خلف جنازتها كل من في البصرة ، إلا القاضي ، وكان له نعمة عظيمة ، وأموال كثيرة ، فأخذ السلطان منه مائة ألف دينار ، وضمن خمارتكين البصرة كل سنة بمائة ألف دينار ومائة فرس .

وفيها زادت [ مياه ] الفرات تسع أذرع ، فخربت بعض دواليب هيت ، وخربت فوهة نهر عيسى ، وزادت تامرا نيفا وثلاثين ذراعا ، وعلا على قنطرتي طراستان وخانقين الكسرويتين فقطعهما .

[ الوفيات ]

وفيها ، في ذي الحجة ، توفي نصر بن مروان ، صاحب ديار بكر ، وملك بعده ابنه منصور ، ودبر دولته ابن الأنباري .

وفيها توفي أبو منصور محمد بن عبد العزيز العكبري ، ومولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، وهو من المحدثين المعروفين ، وكان صدوقا .

ومحمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر بن أبي القاسم الطبري [ ص: 275 ] اللالكائي وولد سنة تسع وأربعمائة ، وحدث عن هلال الحفار وغيره ، وتوفي في جمادى الأولى .

وفيها توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن حيوس الشاعر المشهور ، وحدث عن جده لأمه القاضي أبي نصر محمد بن هارون بن الجندي .

التالي السابق


الخدمات العلمية