الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2291 - مسألة : في تحريم الخمر واختلاف الناس في حد شاربها ؟ [ ص: 365 ] قالت طائفة : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض فيها حدا وإنما فرضه من بعده .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا حد فيها أصلا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض فيها حدا .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : بل فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها حدا ، ثم اختلفوا - فقالت طائفة : ثمانين ، وقالت طائفة : أربعين ؟ فأما من قال : لم يوقت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدا ، فإنهم ذكروا في ذلك : ما نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي نا خالد بن الحارث نا سفيان الثوري نا أبو حصين قال : سمعت عمير بن سعد النخعي يقول : { سمعت علي بن أبي طالب قال : ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر ، فإنه لو مات وديته ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنه } ؟ . قال أبو محمد رحمه الله : هكذا ناه عبد الرحمن بن عبد الله ؟ وبه - إلى البخاري نا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنه قال : جيء بالنعيمان - أو ابن النعيمان - فأمر من كان في البيت أن يضربوه ، فكنت أنا فيمن ضربوه بالنعال .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى البخاري نا قتيبة نا أبو ضمرة نا أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال { أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل شرب ، فقال : اضربوه ، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده ، ومنا الضارب بنعله ، والضارب بثوبه ، فلما انصرف قال بعض القوم : أخزاك الله ، قال : لا تقولوا هذا ، لا تعينوا عليه الشيطان } .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى البخاري نا مكي بن إبراهيم عن أبي الجعد عن يزيد بن خصيفة عن [ ص: 366 ] السائب بن يزيد قال { كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإمرة أبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، فنقوم إليه بأيدينا ، ونعالنا ، وأرديتنا ، حتى كان آخر إمرة عمر ، فجلد أربعين ، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين } .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى البخاري نا يحيى بن بكير ثني الليث بن سعد نا خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب { أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب ، فأتي به يوما ، فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا تلعنوه ، فوالله ما علمته إلا يحب الله ورسوله - فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته } .

                                                                                                                                                                                          ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ، ثم جلد عمر أربعين صدرا من إمارته ، ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين ، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فمن تعلق بزيادة عمر - رضي الله عنه - ومن زادها معه على وجه التعزير ، وجعل ذلك حدا واجبا مفترضا .

                                                                                                                                                                                          فيلزمه : أن يحرق بيت بائع الخمر ، ويجعل ذلك حدا مفترضا ; لأن عمر فعله - وأن ينفي شارب الخمر أيضا ويجعله حدا واجبا ; لأن عمر فعله ؟ فإن قال : قد قال عمر : لا أغرب بعده أحدا ؟ قيل : وقد جلد عمر أربعين ، وستين ، في الخمر ، بعد أن جلد الثمانين ، بأصح إسناد يمكن وجوده .

                                                                                                                                                                                          ويلزمهم أن يحلقوا شارب الخمر بعد الرابعة ، كما فعل عمر ، فلا يحدونه أصلا ، ويلزمهم أن يوجبوا جلد ثمانين أيضا - ولا بد - على من فضل عليا على أبي بكر ، أو على عمر ، وعلى من فضل عمر على أبي بكر ; لأن عمر وعليا ، قالا ذلك ، بحضرة الصحابة . [ ص: 367 ] ويلزمهم أن يجلد حدا واجبا كل من كذب على الله تعالى ، وعلى القرآن ، وإلا فقد تناقضوا بالباطل - فظهر فساد قولهم ؟ قال أبو محمد رحمه الله : وصح بما ذكرنا : أن القول بجلد أربعين في الخمر هو قول أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والحسن بن علي ، وعبد الله بن جعفر ، بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          وبه - يقول الشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهما - وبه نأخذ - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية