الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

                                                                                                          129 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل لكل صلاة قال قتيبة قال الليث لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته هي قال أبو عيسى ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال بعض أهل العلم المستحاضة تغتسل عند كل صلاة وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة [ ص: 343 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 343 ] قوله : ( استفتت أم حبيبة ابنة جحش ) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة بعدها شين معجمة وهي أخت حمنة بنت جحش ، قال في سبل السلام : أم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وبنات جحش ثلاث : زينب أم المؤمنين ، وحمنة ، وأم حبيبة . قيل : إنهن كن مستحاضات كلهن ، وقد ذكر البخاري ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة ، فإن صح أن الثلاث مستحاضات فهي زينب ، وقد عد العلماء المستحاضات في عصره صلى الله عليه وسلم فبلغن عشر نسوة ، انتهى .

                                                                                                          ( فقالت إني أستحاض ) بهمزة مضمومة وفتح تاء ، وهذه الكلمة ترد على بناء المفعول ، يقال استحيضت المرأة فهي مستحاضة إذا استمر بها الدم بعد أيام حيضها ونفاسها .

                                                                                                          ( فلا أطهر ) أي مدة مديدة ( أفأدع الصلاة ) بهمزة الاستفهام ، أي أفأتركها ما دامت الاستحاضة معي ولو طالت المدة ( فقال لا ) أي لا تدعيها ( إنما ذلك ) بكسر الكاف خطاب لها وتفتح على خطاب العام ، أي الذي تشتكينه ( عرق ) بكسر العين وسكون الراء ، أي دم عرق انشق وانفرج منه الدم ، أو إنما سببها عرق فمه في أدنى الرحم .

                                                                                                          ( فاغتسلي وصلي ) أي إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ، يدل عليه ما رواه الشيخان عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال لا إنما ذلك عرق وليس بحيض ، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنه الدم ثم صلي .

                                                                                                          ( فكانت تغتسل ) أي أم حبيبة ( لكل صلاة ) أي عند كل صلاة ( قال الليث : لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته هي ) وقال الشافعي : إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 344 ] تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال : ولا أشك إن شاء الله أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به ، وذلك واسع لها ، وكذا قال سفيان بن عيينة .

                                                                                                          قوله : ( ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش ) فالزهري يروي هذا الحديث على ثلاثة وجوه ، عن عروة عن عائشة كما في حديث الباب ، وعن عمرة عن عائشة وهذه الرواية عند أبي داود ، وعن عروة وعمرة كليهما عن عائشة ، كما بينه الترمذي بقوله وروى الأوزاعي عن الزهري . . . إلخ .

                                                                                                          قوله : ( وقد قال بعض أهل العلم المستحاضة تغتسل عند كل صلاة ) قال النووي في شرح مسلم : واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها ، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف ، وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ، وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد ، وروي عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا : يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة ، وروي هذا أيضا عن علي وابن عباس ، وروي عن عائشة أنها قالت تغتسل كل يوم غسلا واحدا ، وعن ابن المسيب والحسن قالا تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائما . ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه ، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها ، وهو قوله عليه السلام إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل .

                                                                                                          وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شيء ثابت ، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة . انتهى كلام النووي ، ونقل بعد هذا قول الشافعي الذي ذكرنا فيما تقدم ، وقال وكذا ، قاله شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما .

                                                                                                          [ ص: 345 ] قلت : وقد جمع بعضهم بأن أحاديث الغسل لكل صلاة محمولة على الاستحباب والله تعالى أعلم ، وحديث الباب أخرجه الشيخان وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية