الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 413 ] النوع الرابع والعشرون : كيفية سماع الحديث ، وتحمله ، وصفة ضبطه : تقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله قبلهما ، ومنع الثاني قوم فأخطئوا .

        قال جماعة من العلماء : يستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة ، وقيل بعد عشرين ، والصواب في هذه الأزمان التبكير به من حين يصح سماعه ، وبكتبه وتقييده حين يتأهل له ، ويختلف باختلاف الأشخاص .

        ونقل القاضي عياض رحمه الله : أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع بخمس سنين ، وعلى هذا استقر العمل .

        والصواب اعتبار التمييز ، فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا صحيح السماع ، وإلا فلا ، وروي نحو هذا عن موسى بن هارون ، وأحمد بن حنبل .

        [ ص: 413 ]

        التالي السابق


        [ ص: 413 ] ( النوع الرابع والعشرون : كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه : تقبل رواية المسلم البالغ ما تحمله قبلهما ) في حال الكفر والصبا ( ومنع الثاني ) أي قبول رواية ما تحمله في الصبا ( قوم فأخطأوا ) لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن والحسين وعبد الله بن الزبير وابن عباس والنعمان بن بشير والسائب بن يزيد والمسور بن مخرمة وغيرهم ، من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وبعده .

        وكذلك كان أهل العلم يحضرون الصبيان مجالس الحديث ويعتدون بروايتهم بعد البلوغ .

        ومن أمثلة ما تحمل في حالة الكفر : حديث جبير بن مطعم المتفق عليه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، وكان جاء في فداء أسرى بدر قبل أن يسلم . وفي رواية للبخاري : " وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي " .

        ولم يجر الخلاف السابق هنا ، كأنه لأن الصبي لا يضبط غالبا ما تحمله في صباه [ ص: 414 ] بخلاف الكافر ، نعم رأيت القطب القسطلاني في كتابه " المنهج في علوم الحديث " ، أجرى الخلاف فيه وفي الفاسق أيضا .

        ( قال جماعة من العلماء : يستحب أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة ) وعليه أهل الشام ( وقيل : بعد عشرين ) سنة ، وعليه أهل الكوفة .

        قيل لموسى بن إسحاق : كيف لم تكتب عن أبي نعيم ؟ فقال : كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة وقال سفيان الثوري : " كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة " . وقال أبو عبد الله الزبيري من الشافعية : " يستحب كتب الحديث في العشرين ، لأنها مجتمع العقل . قال : وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض " ، أي الفقه .

        ( والصواب في هذه الأزمان ) بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإسناد ( التبكير [ ص: 415 ] به ) أي بالسماع ( من حيث يصح سماعه ) أي الصغير ( وبكتبه ) أي الحديث ( وتقييده ) وضبطه ( حين يتأهل له ) ويستعد ( و ) ذلك ( يختلف باختلاف الأشخاص ) ولا ينحصر في سن مخصوص .

        ( ونقل القاضي عياض أن أهل الصنعة حددوا أول زمن يصح فيه السماع ) للصغير ( بخمس سنين ) ونسبه غيره للجمهور .

        وقال ابن الصلاح : ( وعلى هذا استقر العمل ) بين أهل الحديث ، فيكتبون لابن خمس فصاعدا " سمع " ، وإن لم يبلغ خمسا " حضر أو أحضر " ، وحجتهم في ذلك ما رواه البخاري وغيره من حديث محمود بن الربيع قال : " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو وأنا ابن خمس سنين " ، بوب عليه البخاري : متى يصح سماع الصغير ؟

        [ ص: 416 ] قال المصنف كابن الصلاح : ( والصواب اعتبار التمييز فإن فهم الخطاب ورد الجواب كان مميزا صحيح السماع ) وإن لم يبلغ خمسا ( وإلا فلا ) وإن كان ابن خمس فأكثر ، ولا يلزم من عقل محمود المجة في هذا السن أن تمييز غيره مثل تمييزه ، بل قد ينقص عنه وقد يزيد ، ولا يلزم منه أن لا يعقل مثل ذلك وسنه أقل من ذلك ، ولا يلزم من عقل المجة عقل غيرها مما يسمعه .

        وقال القسطلاني في كتاب " المنهج " : ما اختاره ابن الصلاح هو التحقيق والمذهب الصحيح .

        ( وروي نحو هذا ) وهو اعتبار التمييز ( عن موسى بن هارون ) الحمال أحد الحفاظ ( وأحمد بن حنبل ) أما موسى فإنه سئل متى يسمع الصبي الحديث ؟ فقال : إذا فرق بين البقرة والحمار .

        وأما أحمد فإنه سئل عن ذلك فقال : إذا عقل وضبط ، فذكر له عن رجل أنه قال لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد البراء وابن عمر استصغرهما يوم بدر ، فأنكر قوله هذا وقال : بئس القول ، فكيف يصنع بسفيان ووكيع ونحوهما ، أسندهما الخطيب في " الكفاية " .

        فالقولان راجعان إلى اعتبار التمييز ، وليسا بقولين في أصل المسألة ، خلافا [ ص: 417 ] للعراقي حيث فهم ذلك فحكى فيه أربعة أقوال ، وكأنه أراد حكاية القول المذكور لأحمد ، وهو خمس عشرة سنة ، وقد حكاه الخطيب في " الكفاية " عن قوم منهم يحيى بن معين ، وحكى عن آخرين منهم يزيد بن هارون ثلاث عشرة .

        ومما قيل في ضابط التمييز : أن يحسن العدد من واحد إلى عشرين ، حكاه ابن الملقن ، وفرق السلفي بين العربي والعجمي فقال أكثرهم على أن العربي يصح سماعه إذا بلغ أربع سنين لحديث محمود ، والعجمي إذا بلغ ست سنين .

        ومما يدل على أن المرجع إلى التمييز ما ذكره الخطيب قال : سمعت القاضي أبا محمد الأصبهاني يقول : حفظت القرآن ولي خمس سنين ، وأحضرت عند أبي بكر المقرئ ولي أربع سنين ، فأرادوا أن يسمعوا لي فيما حضرت قراءته ، فقال بعضهم : إنه يصغر عن السماع ، فقال لي ابن المقرئ : اقرأ سورة الكافرين فقرأتها ، فقال : اقرأ سورة التكوير ، فقرأتها ، فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات ، فقرأتها ولم أغلط فيها ، فقال ابن المقرئ : سمعوا له والعهدة علي .




        الخدمات العلمية