الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة

                                                                                                          1231 حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم وقد فسر بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما قال الشافعي ومن معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا يفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ) أي : صفقة واحدة وعقد واحد ويأتي تفسير هذا عن المصنف .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود ) قال الحافظ في التلخيص حديث ابن مسعود رواه أحمد من طريق عبد الرحمن ابنه عنه بلفظ : نهى عن صفقتين في صفقة ، وحديث ابن عمر رواه ابن عبد البر مثله وحديث ابن عمرو رواه الدارقطني في أثناء حديث انتهي . قوله : ( وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) قال الحافظ في بلوغ المرام : رواه أحمد ، والنسائي ، وصححه الترمذي ، وابن حبان ولأبي داود : من باع بيعتين فله أوكسهما ، أو الربا . انتهى ، قال الشوكاني في النيل : وأخرجه أيضا الشافعي ، ومالك في بلاغاته . قوله : ( وقد فسر بعض أهل العلم قالوا : بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ، ولا يفارقه على أحد البيعين ) قال في شرح السنة بعد ذكر هذا التفسير : هو فاسد عند أكثر أهل [ ص: 358 ] العلم ؛ لأنه لا يدرى أيهما جعل الثمن . انتهى ، وقال في النيل : والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين . انتهى . ( فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما ) بأن قال البائع : أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين . فقال المشتري : اشتريته بنقد بعشرة ، ثم نقد عشرة دراهم ، فقد صح هذا البيع ، وكذلك إذا قال المشتري اشتريته بنسيئة بعشرين ، وفارق البائع على هذا صح البيع ؛ لأنه لم يفارقه على إيهام وعدم استقرار الثمن ، بل فارقه على واحد معين منهما ، وهذا التفسير قد رواه الإمام أحمد في روايته عن سماك ، ففي المنتقى عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة ، قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا ، وهو بنقد بكذا وبكذا ، قال الشوكاني في النيل قوله : من باع بيعتين في بيعة فسره سماك بما رواه المصنف يعني : صاحب المنتقى عن أحمد عنه ، وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بأن يقول بعتك بألف نقدا ، أو ألفين إلى سنة ، فخذ أيهما شئت أنت ، وشئت أنا ، ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام ، أما لو قال قبلت بألف نقدا ، أو بألفين بالنسيئة صح ذلك . انتهى ، وقد فسره الشافعي بتفسير آخر ، وهو ما ذكره الترمذي بقوله : ( قال الشافعي : ومن معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا . فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري ، وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته ) قال في المرقاة بعد ذكر هذا التفسير : هذا أيضا فاسد ؛ لأنه بيع وشرط ، و لأنه يودي إلى جهالة الثمن ؛ لأن الوفاء ببيع الجارية لا يجب ، وقد جعله من الثمن ، وليس له قيمة فهو شرط لا يلزم ، وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة الثاني مجهولا . انتهى ، وقال في النيل والعلة في تحريم هذه الصورة التعليق بالشرط المستقبل . انتهى ، واعلم أنه قد فسر البيعتان في بيعة بتفسير آخر ، وهو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال : بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين ، فصار ذلك بيعتين في بيعة ؛ لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما ، وهو الأول ، كذا في شرح السنن لابن رسلان ; فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة . بثلاثة تفاسير فاحفظها ، ثم اعلم أن لحديث أبي هريرة هذا رواية أخرى رواها أبو داود في سننه بلفظ : [ ص: 359 ] من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما ، أو الربا ، قال الشوكاني في النيل : محمد بن عمرو بن علقمة ، وقد تكلم فيه غير واحد ، قال المنذري : والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة . انتهى ما في النيل . قلت : وقد تفرد هو بهذا اللفظ ، وقد روي هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ . فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج ، والله تعالى أعلم ، قال الشوكاني في شرح هذه الرواية ما لفظه : قوله فله أوكسهما أي : أنقصهما ، قال الخطابي : لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكي عن الأوزاعي ، وهو مذهب فاسد . انتهى ، قال الشوكاني : ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث : لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به ، ومعنى قوله ، أو الربا يعني : أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس ، بل أخذ الأكثر ، قال وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان ، وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال : يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء ، وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين ، والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى ، وقالت الشافعية ، والحنفية وزيد بن علي ، والمؤيد بالله والجمهور : إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه ، وهو الظاهر ؛ لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة يعني : التي رواها أبو داود ، وقد ذكرنا لفظها آنفا ، وقد عرفت ما في راويها من المقال ، ومع ذلك المشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره ، وهو النهي عن بيعتين في بيعة ، ولا حجة فيه على المطلوب ، ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع - كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه ، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على الصورة ، وهي أن يقول نقدا بـ ، كذا ونسيئة بـ ، كذا ، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط ، وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ، ولا يدل الحديث على ذلك . فالدليل أخص من الدعوى ، قال : وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة ، وسميناها ( شفاء العلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل ) وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه . انتهى كلام الشوكاني .




                                                                                                          الخدمات العلمية