الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 242 ] ثم دخلت سنة ست وثلاثين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قبض الملك الجواد على الصفي بن مرزوق ، وصادره بأربعمائة ألف دينار ، وحبسه بقلعة حمص ، فمكث ثلاث سنين لا يرى الضوء ، وقد كان ابن مرزوق قبل ذلك يحسن إلى الجواد إحسانا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسلط الجواد خادما لزوجته يقال له : الناصح ، فصادر الدماشقة ، وأخذ منهم نحوا من ستمائة ألف دينار ، ومسك الأمير عماد الدين بن الشيخ الذي كان سبب تمليكه دمشق ، ثم خاف من أخيه فخر الدين بن الشيخ الذي بديار مصر ، وقلق من ملك دمشق ، وقال : أيش أعمل بالملك؟ باز وكلب أحب إلي من هذا ، ثم خرج إلى الصيد وكاتب الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ، فتقايضا من حصن كيفا وسنجار ، وما يتبع ذلك إلى دمشق ، فملك الصالح دمشق ، ودخلها في مستهل جمادى الأولى من هذه السنة ، والجواد بين يديه بالغاشية ، ثم حملها المظفر صاحب حماة ، وكان يوما مشهودا ، ثم نزل الجواد بدار السعادة ، وندم على ما كان منه ، فأراد أن يستدرك الفائت ، فلم يتفق له . وخرج من دمشق ، والناس يلعنونه في وجهه; بسبب ما أسداه إليهم من المصادرات ، وأرسل إليه الصالح أيوب ليرد إلى الناس أموالهم ، فلم يلتفت إليه ، وسار وبقيت في ذمته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 243 ] ولما استقر الصالح في ملك مصر ، كما سيأتي ، حبس الناصح الخادم ، فمات في أسوأ حالة ، من القلة والقمل ، جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد [ فصلت : 46 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ركب الصالح أيوب من دمشق في رمضان قاصدا الديار المصرية ليأخذها من أخيه العادل لصغره ، فنزل بنابلس واستولى عليها ، وأخرجها من يد الناصر داود ، وأرسل إلى عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ليقدم عليه ليكون في صحبته إلى الديار المصرية ، وكان قد جاء إليه إلى دمشق ليبايعه ، فجعل يسوف به ، ويعمل عليه ويحالف الأمراء بدمشق ليكون ملكهم ، ولا يتجاسر أحد من الصالح أيوب لجبروته أن يخبره بذلك ، وانقضت السنة ، وهو مقيم بنابلس يستدعيه إليه ، وهو يماطله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية