الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

                                                                                                          1169 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وابن عمر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم واختلف أهل العلم في المرأة إذا كانت موسرة ولم يكن لها محرم هل تحج فقال بعض أهل العلم لا يجب عليها الحج لأن المحرم من السبيل لقول الله عز وجل من استطاع إليه سبيلا فقالوا إذا لم يكن لها محرم فلا تستطيع إليه سبيلا وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وقال بعض أهل العلم إذا كان الطريق آمنا فإنها تخرج مع الناس في الحج وهو قول مالك والشافعي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ) مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية ، أو حربية ، وقد قال به بعض أهل العلم ، وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قيد به ، أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج ما سواه قاله الحافظ ( ثلاثة أيام فصاعدا ) وقع في حديث ابن عمر عند مسلم مسيرة ثلاث ليال ، والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها ، أو ثلاث ليال بأيامها ( أو ذو محرم منها ) بفتح الميم ، والمراد به من لا يحل له نكاحها

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة ) أخرجه البخاري ، ومسلم ( وابن عباس وابن عمر ) أخرج حديثهما الشيخان قوله : ( وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة ، إلا مع ذي محرم ) أخرجه الترمذي في هذا الباب من حديث أبي هريرة ، وأخرجه الشيخان أيضا من حديثه . قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم ) لكن قال الحنفية : يباح لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم . [ ص: 279 ] ، وقال أكثر أهل العلم يحرم لها الخروج في كل سفر طويلا كان ، أو قصيرا ، ولا يتوقف حرمة الخروج بغير المحرم على مسافة القصر ، لإطلاق حديث ابن عباس بلفظ : لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، قال الحافظ في فتح الباري تحت هذا الحديث : كذا أطلق السفر ، وقيده في حديث أبي سعيد الآتي في الباب فقال : مسيرة يومين ، ومضى في الصلاة حديث أبي هريرة مقيدا بمسيرة يوم وليلة ، وعنه روايات أخرى ، وحديث ابن عمر فيه مقيدا بثلاثة أيام ، وعنه روايات أخرى أيضا ، وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات . انتهى ، وحجة الحنفية أن المنع المقيد بالثلاث متيقن ، وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن ، ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها ، فإنه مشكوك فيه ، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص ، وترك حمل المطلق على المقيد ، وخالفوا ذلك هنا ، والاختلاف إنما وقع في الأحاديث التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث ابن عباس فإنه لم يختلف عليه فيه ، قال في الهداية : يباح لها الخروج إلى ما دون مدة السفر بغير محرم ، قال ابن الهمام رحمه الله : يشكل عليه ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها ، أو ذو محرم منها وأخرجا عن أبي هريرة لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ، وفي لفظ لمسلم : مسيرة ليلة ، وفي لفظ : يوم ، وفي لفظ أبي داود " بريدا " يعني : فرسخين واثني عشر ميلا على ما في القاموس ، وهو عند ابن حبان في صحيحه ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، وللطبراني في معجمه : ثلاثة أميال فقيل له : إن الناس يقولون ثلاثة أيام فقال : وهموا ، قال المنذري : ليس في هذه تباين ؛ فإنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة ، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلا لأقل الأعداد ، واليوم الواحد أول العدد وأقله ، والاثنان أول الكثير وأقله ، والثلاثة أول الجمع ، فكأنه أشار إلى أن هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر مع غير محرم فكيف إذا زاد . انتهى ، وحاصله أنه نبه بمنع الخروج أقل كل عدد على منع خروجها عن البلد مطلقا إلا بمحرم ، أو زوج ، وقد صرح بالمنع مطلقا أن حمل السفر على اللغوي ما في الصحيحين عن ابن عباس مرفوعا : لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، والسفر لغة يطلق على دون ذلك . انتهى كلام المحقق ، كذا في المرقاة . قوله : ( وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة ) وهو قول أبي حنيفة ، وهو القول الراجح عندي ، والله تعالى أعلم ، قال أحمد : لا يجب الحج على [ ص: 280 ] المرأة إذا لم تجد محرما ، وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهب أبو حنيفة ، والنخعي وإسحاق ، والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء ، أو شرط وجوب ، وقال مالك ، وهو مروي عن أحمد إنه لا يعتبر المحرم في سفر الفريضة ، وروي عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالإجماع ، ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج ، وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا ، وقال صاحب المغني وأيضا قد وقع عند الدارقطني بلفظ لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج ، وصححه أبو عوانة ، وفي رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا ، لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام ، أو تحج إلا ومعها زوجها . فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار ، وقد قيل إن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز ؛ لأنها لا تشتهى ، وقيل لا فرق ؛ لأن لكل ساقط لاقطا ، وهو مراعاة للأمر النادر ، وقد احتج أيضا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج ، بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه ، وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فحمل على الجواز ، والأولى حمله على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب ، كذا في النيل .




                                                                                                          الخدمات العلمية