الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المني يصيب الثوب

                                                                                                          116 حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها فاحتلم فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام فغمسها في الماء ثم أرسل بها فقالت عائشة لم أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه وربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق قالوا في المني يصيب الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسل وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث الأعمش أصح [ ص: 317 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 317 ] ( باب في المني يصيب الثوب ) قال النووي في شرح مسلم : اختلف العلماء في طهارة مني الآدمي ، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا ، وهو رواية عن أحمد ، وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا ، وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه ، وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرا وتعاد منه في الجسد وإن قل ، وذهب كثيرون إلى أن المني طاهر روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين ، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث ، وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته .

                                                                                                          ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل .

                                                                                                          ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك ، فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره ، قالوا رواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزه واختيار النظافة . انتهى كلام النووي . وقال الطحاوي بعد ذكر الآثار التي تدل على طهارة المني : فذهب ذاهبون إلى أن المني طاهر ، قال العيني أراد بهؤلاء الذاهبين الشافعي وأحمد وإسحاق وداود . انتهى ، وقال الشوكاني في النيل : قالوا الأصل الطهارة فلا تنتقل عنها إلا بدليل وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلا أو فركا أو حتا أو سلتا أو حكا ثابت ، ولا معنى لكون الشيء نجسا إلا أنه مأمور بإزالته بما أحال عليه الشارع ، فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة . انتهى . قلت : كلام الشوكاني هذا حسن جيد .

                                                                                                          قوله : ( ضاف عائشة ضيف ) أي نزل عليها قال في القاموس : ضفته وأضيفه ضيفا وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفا . انتهى ، وقال في النهاية : وفي حديث عائشة ضافها ضيف ، ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني .

                                                                                                          ( فأمرت له بملحفة ) قال في القاموس : لحاف ككتاب ما يلتحف به ، واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه كالملحفة ، وقال في الصراح : ملحفة بالكسر جادر .

                                                                                                          ( وبها أثر الاحتلام ) أي أثر المني والواو حالية ( إنما كان يكفيه أن يفركه ) أي يدلكه حتى يذهب الأثر من الثوب .

                                                                                                          [ ص: 318 ] واستدل بهذا الحديث من قال بطهارة المني وقال : إن كان المني نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره . وأجيب بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير ، فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء ، والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات وإلا لزم عدم طهارة العذرة التي في النعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها قاله الشوكاني .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بحديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه ويحته يابسا ثم يصلي فيه ، رواه أحمد قال الحافظ في التلخيص : بإسناد حسن وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه ، وبحديث عائشة أنها كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه رواه ابن خزيمة ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه ، وبأثر ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب قال : أمطه بعود أو إذخرة فإنما هو بمنزلة المخاط أو البصاق ، رواه البيهقي في المعرفة وصححه . قلت في الاستدلال بحديث عائشة الأول وكذا بالثاني نظر لما عرفت آنفا وأما أثر ابن عباس فهو قوله وليس بمرفوع .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول غير واحد من الفقهاء مثل سفيان وأحمد وإسحاق قالوا في المني يصيب الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسله ) وهو قول أبي حنيفة إذا كان يابسا ، وقال مالك لا بد من غسله رطبا كان أو يابسا كما تقدم .

                                                                                                          قوله : ( وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية [ ص: 319 ] الأعمش ) أي كما روى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة كذلك رواه منصور أيضا وحديث منصور أخرجه مسلم وكذلك رواه الحاكم أيضا وحديثه أخرجه أبو داود ( وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ) وكذلك أيضا رواه حماد ومغيرة وواصل والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ، وحديث أبي معشر ومغيرة وواصل والأعمش عند مسلم ، وحديث حماد عند أبي داود .

                                                                                                          ( وحديث الأعمش أصح ) لا أدري ما وجه كون حديث الأعمش أصح ، فإن الأعمش كما لم يتفرد برواية الحديث عن إبراهيم عن همام عن عائشة بل تابعه منصور والحكم كذلك لم يتفرد أبو معشر بروايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بل تابعه حماد ومغيرة وواصل والأعمش ، والظاهر أن حديث الأعمش وحديث أبي معشر كليهما صحيحان ليس واحد منهما أصح من الآخر ، والحديث سمعه إبراهيم عن همام والأسود كليهما ، ففي صحيح مسلم : حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال نا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وهمام عن عائشة إلخ والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية