الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            كتاب الشهادات عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على الناس وقالوا يا رسول الله فأينا الذي لا يظلم نفسه ؟ قال إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم إنما هو الشرك . .

                                                            التالي السابق


                                                            كتاب الشهادات (الحديث الأول) : عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون شق ذلك على الناس وقالوا يا رسول الله : فأينا الذي لا يظلم نفسه ، قال إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم إنما هو الشرك : (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) : اتفق عليه الشيخان وغيرهما من هذا الوجه من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله .

                                                            (الثانية) : قال النووي في شرح مسلم هكذا [ ص: 89 ] وقع الحديث هنا في صحيح مسلم ووقع في صحيح البخاري لما نزلت الآية قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يظلم نفسه فأنزل الله تعالى إن الشرك لظلم عظيم وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم المطلق هناك المراد به هذا المقيد ، وهو الشرك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ليس الظلم على إطلاقه وعمومه كما ظننتم إنما الشرك كما قال لقمان لابنه فالصحابة رضي الله عنهم حملوا الظلم على عمومه والمتبادر إلى الأفهام منه ، وهو وضع الشيء في غير موضعه ، وهو مخالفة الشرع فشق عليهم إلى أن أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمراد بهذا الظلم انتهى .

                                                            (قلت) : وتبين بذلك حمل الإيمان هنا على التصديق فهو الذي يلبسه أي يخلطه ويمنع وجوده الشرك أما لو حمل على الأعمال ، فإنه يخلطها غير الشرك من الظلم والمعاصي والله أعلم .

                                                            (الثالثة) : فيه أن المعاصي لا تكون كفرا .



                                                            (الرابعة) : لا يخفى أن المراد بالعبد الصالح لقمان ، وهو مصرح به في رواية أخرى وقد يستدل بوصفه بذلك خاصة على أنه ليس نبيا وبه قال الجمهور وقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي اتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال كان نبيا وتفرد بهذا القول وأما ابن لقمان الذي قال له لا تشرك بالله فقيل اسمه ( أنعم ) : والله أعلم .



                                                            (الخامسة) : أورده المصنف رحمه الله في الشهادات كأنه للاستدلال به على أن مطلق الظلم والمعصية لا يخرج الإنسان عن العدالة ولا يبطل الشهادة لقول الصحابة رضي الله عنهم فأينا الذي لم يظلم نفسه وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك ، وهو كذلك فإن الصغيرة إذا لم يحصل الإصرار عليها لا تخرج عن العدالة وقد قال الشافعي رضي الله عنه ليس أحد يمحض الطاعة حتى لا يخلطها بمعصية ولا يمحض المعصية حتى لا يخلطها بطاعة فمن غلبت طاعته على معصيته فهو العدل ومن غلبت معاصيه على طاعته فهو الفاسق .



                                                            (السادسة) : وكان والدي رحمه الله أورد أولا هذا الحديث في كتاب الطهارة للاستدلال به على أن التشريك في العبادة مفسد لها كما أن التشريك في الألوهية مفسد للإيمان ثم نقله إلى هذا الموضع لما ذكرناه والاستدلال المذكور أيضا لا بأس به والشيخ رحمه الله لما التزم هذه التراجم المحصورة التي قيل فيها (إنها أصح الأسانيد) : وقعت له فيها أحاديث ليست [ ص: 90 ] فقهية فاحتاج إلى مثل هذا ، وهو فقه دقيق إن أنصفت وتكلفت إن أسرفت والعلم عند الله .




                                                            الخدمات العلمية