الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه

                                                                                                          1134 حدثنا أحمد بن منيع وقتيبة قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قتيبة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه قال وفي الباب عن سمرة وابن عمر قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح قال مالك بن أنس إنما معنى كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به فليس لأحد أن يخطب على خطبته وقال الشافعي معنى هذا الحديث لا يخطب الرجل على خطبة أخيه هذا عندنا إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته فأما قبل أن يعلم رضاها أو ركونها إليه فلا بأس أن يخطبها والحجة في ذلك حديث فاطمة بنت قيس حيث جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها فقال أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء وأما معاوية فصعلوك لا مال له ولكن انكحي أسامة فمعنى هذا الحديث عندنا والله أعلم أن فاطمة لم تخبره برضاها بواحد منهما ولو أخبرته لم يشر عليها بغير الذي ذكرت [ ص: 239 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 239 ] قال في النهاية خطب يخطب خطبة بالكسر فهو خاطب ، والاسم منه الخطبة أيضا وأما الخطبة بالضم فهو من القول والكلام . انتهى ، وقال في الصراح خطبة بالكسر زن خواستن .

                                                                                                          قوله : ( قال قتيبة يبلغ به ) أي : قال قتيبة في روايته يبلغ به أي : يرفع أبو هريرة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وقال أحمد ) أي : قال أحمد بن منيع في روايته ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فمعنى روايتهما واحد ، وإنما الفرق في اللفظ . قوله : ( لا يبيع الرجل على بيع أخيه ) قال العلماء البيع على البيع حرام ، وكذلك الشراء على الشراء ، وهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص ، ويقول للبائع : افسخ لأشتري منك بأزيد ، قال الجمهور لا فرق في ذلك بين المسلم والذمي ، وذكر الأخ خرج للغائب فلا مفهوم له ( ولا يخطب على خطبة أخيه ) قال الجزري في النهاية : هو أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق ، ويتراضيا ولم يبق إلا العقد . فأما إذا لم يتفقا ولم يتراضيا ، ولم يركن أحدهما إلى الآخر ، فلا يمنع من خطبتها ، وهو خارج عن النهي . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سمرة وابن عمر ) وفي الباب أيضا عن عقبة بن عامر . أما حديث سمرة فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ : نهى النبي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والبخاري ، والنسائي ولفظه لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله ، أو يأذن له الخاطب وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد ، ومسلم ولفظه المؤمن أخو المؤمن ، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ، والنسائي قوله : ( والحجة في ذلك [ ص: 240 ] حديث فاطمة بنت قيس إلخ ) قال النووي في شرح مسلم : هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه ، وأجمعوا على تحريمها إذا كان قد صرح للخاطب بالإجابة ولم يأذن ولم يترك فلو خطب على خطبته وتزوج والحالة هذه عصى ، وصح النكاح ولم يفسخ . هذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، وقال داود يفسخ النكاح وعن مالك روايتان كالمذهبين ، وقال جماعة من أصحاب مالك : يفسخ قبل الدخول لا بعده وأما إذا عرض له بالإجابة ولم يصرح ففي تحرير الخطبة على خطبته قولان للشافعي : أصحهما لا يحرم ، وقال بعض المالكية : لا يحرم حتى يرضوا بالزوج ويسمى المهر ، واستدلوا لما ذكرناه من أن التحريم إنما هو إذا حصلت الإجابة بحديث فاطمة بنت قيس فإنها قالت خطبني أبو جهم ومعاوية ، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض ، بل خطبها لأسامة ، وقد يعترض على هذا الدليل فيقال : لعل الثاني لم يعلم بخطبة الأول ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فأشار بأسامة ، لا أنه خطب له ، واتفقوا على أنه إذا ترك الخطبة رغبة عنها ، أو أذن فيها جازت الخطبة على خطبته ، وقد صرح بذلك في هذه الأحاديث . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية