الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] ( باب )

اليمين : تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله أو صفته : [ ص: 4 - 5 ] كبالله ، وهالله ، وأيم الله ، وحق الله ، والعزيز ، وعظمته ، وجلاله ، وإرادته ، وكفالته ، وكلامه ، والقرآن ، والمصحف .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] ( باب ) في اليمين

( اليمين ) أي حقيقتها شرعا ( تحقيق ) أي تقرير وتقوية ( ما ) أي شيء ( لم يجب ) وقوعه عقلا ولا عادة بأن كان ممكنا فيهما كدخول الدار ، ولو وجب شرعا كصلاة الظهر أو امتنع شرعا كشرب مسكر أو في العقل دون العادة كشرب البحر ويحنث في هذا بمجرد اليمين ، إذ لا يتصور فيه إلا العزم على الضد لعدم قدرته على فعله ، أو ممتنعا فيهما كجمع الضدين ، ويحنث في هذا بمجردها أيضا لذلك . وخرج الواجب فيهما كتحيز الجرم أو في العادة فقط كطلوع الشمس من المشرق فتحقيق جنس ، وإضافته لما لم يجب فصل مخرج تحقيق الواجب عقلا وعادة أو عادة فقط .

وصلة تحقيق ( بذكر اسم الله ) وإضافة اسم الله استغراقية أي كل اسم من أسماء الله تعالى الحسنى ، سواء وضع لمجرد الذات كالله أو لها وصفة من صفاته تعالى كالرحمن والحي والخالق ( أو ) بذكر اسم ( صفته ) النفسية كوجود الله تعالى ، أو السلبية كوحدانيته تعالى . عج وشملت القدم والوحدانية من صفات السلب ، وانظر هل تشمل بقية صفات [ ص: 4 ] السلب . ا هـ . والذي لابن عاشر عن ابن عرفة أن الصفات السلبية لا تنعقد بها اليمين ، ويدل عليه كلام ابن رشد ، ففي سماع عيسى قال ابن القاسم في الذي يحلف بقوله لعمر الله وأيم الله أخاف أن يكون يمينا وقال أصبغ هو يمين .

ابن رشد قال : أخاف أن يكون يمينا لاختلاف العلماء في القدم والبقاء ، فمنهم من أوجبهما صفتين له تعالى ، ومنهم من نفى ذلك ، وقال : إنه باق لنفسه وقديم لنفسه لا لمعنى موجود قائم به وإن معنى القديم الذي لا أول لوجوده ، ومعنى الباقي المستمر الوجود فكأن ابن القاسم ذهب إلى القول الثاني وقال أخاف إلخ نظرا للقول الأول ، وذهب أصبغ إلى الأول فقال : إنه يمين ، ومثل ما في المدونة لابن القاسم أفاده البناني أو الذاتية كحياته تعالى لا الفعلية كالخلق ، وهذا فصل مخرج لتحقيق غير الواجب بتعليق نحو عتق أو نحو طلاق فلا يسمى يمينا عند المصنف .

وأراد بذكر اسم الله حقيقة أو حكما ليدخل فيها الصيغ الصريحة في القسم إذا نواه بها كأحلف وأقسم وأشهد إن قدر عقبها كلها بالله . وأفهم قوله بذكر اسم الله إلخ أن اليمين لا تنعقد بالكلام النفسي وهو الراجح . وقال ابن عرفة قيل : معناها ضروري لا يعرف ، والحق أنه نظري فاليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به قربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر لقبول معلق بأمر مقصود عدمه . ا هـ وهو مبني على قول الأكثر إن التعليق من اليمين فهو تعريف لليمين من حيث هي ، فخرج بقوله غير مقصود به القربة النذر كلله علي دينار صدقة ، فإن المقصود به القربة ، بخلاف اليمين نحو : إن دخلت الدار [ ص: 5 ] فعبدي فلان حر ، فإنه إنما قصد الامتناع من دخول الدار ، وغير بالرفع صفة التزام .

وخرج بقوله لا يفتقر لقبول نحو ثوبي صدقة مثلا على فلان ، وشمل قوله ما يجب بإنشاء المندوب نحو أنت حر إلا أنه تقدم فيقيد بما ليس بمندوب كالطلاق والظهار ، وقوله معلق إلخ بالرفع صفة ما يجب لأن ما نكرة موصوفة نحو أنت طالق إن دخلت الدار .

ومثل المصنف لليمين فقال ( كبالله ) والله وتالله ومثله الاسم المجرد من حرف القسم كالله لا فعلت أو لأفعلن ( وهالله ) بحذف حرف القسم أي الواو وإقامة ها التنبيه مقامه ( وأيم الله ) بفتح الهمز وكسره ، وكذا أم وكذا أصلهما وهو أيمن فهذه ستة وم ومن بتثليث الميم فيهما فهذه ثنتا عشرة لغة كل منها يمين كما صوبه ابن رشد ، ومعناها البركة القديمة فإن أريد بها الحادث لم تكن يمينا ، وإن لم يرد واحد منهما ففي كلام الآبي ما يفيد أنها يمين .

( وحق الله ) إن أراد عظمته أو استحقاقه الألوهية أو حكمه أو تكليفه أو لم يرد شيء ، فإن أريد به الحقوق التي له على عباده من العبادات التي أمرهم بها فليست بيمين ( والعزيز ) من عز يعز بفتح العين في المضارع أي الذي لا يغلبه شيء وقال ابن عباس " رضي الله عنه " الذي لا يوجد له مثل أو بكسرها أي الذي لا يكاد يوجد غيره ، كما قال الفراء وأل فيه للكمال أي الكامل العزة ، ويصح جعلها للعهد الحضوري ، وهذا ما لم يرد من جعله الله عزيزا من المخلوقين .

( وعظمته وجلاله ) إذا أريد بهما المعنى القديم وهو وصفه تعالى القديم الباقي ، فإن أريد عظمته وجلاله اللذان خلقهما في بعض مخلوقاته . فليستا بيمين ( وإرادته ) تعالى ولطفه وغضبه ورضاه ورحمته وميثاقه عند الأكثر كما في ابن عرفة إلا أن يريد الحادث في الخلق ( وكفالته ) أي التزامه تعالى ويرجع لكلامه القديم وهو من صفات المعاني .

( وكلامه والقرآن والمصحف ) إن نوى المعنى القديم الذي ليس بحرف ولا صوت [ ص: 6 ] أو لم ينو شيئا ، فإن نوى المنزل المؤلف من الحروف بالكلام والقرآن وبالمصحف الأوراق والكتابة والجلد الجامع لها فليست يمينا ، ومثل هذا يقال في الحلف بالكتاب وبما أنزل الله على المشهور . واتفقوا على تسمية المنزل المؤلف قرآنا واختلفوا في تسمية القديم به وأول من جمع القرآن أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهو أول من سماه مصحفا




الخدمات العلمية