الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة

                                                                                                          1103 حدثنا يوسف بن حماد البصري حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة قال يوسف بن حماد رفع عبد الأعلى هذا الحديث في التفسير وأوقفه في كتاب الطلاق ولم يرفعه حدثنا قتيبة حدثنا غندر محمد بن جعفر عن سعيد بن أبي عروبة نحوه ولم يرفعه وهذا أصح قال أبو عيسى هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روي عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة مرفوعا وروي عن عبد الأعلى عن سعيد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روي عن ابن عباس قوله لا نكاح إلا ببينة هكذا روى أصحاب قتادة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس لا نكاح إلا ببينة وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا وفي هذا الباب عن عمران بن حصين وأنس وأبي هريرة والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا لا نكاح إلا بشهود لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم إلا قوما من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد رأى بعض أهل المدينة إذا أشهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره هكذا قال إسحق فيما حكى عن أهل المدينة وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا يوسف بن حماد ) المعني بفتح الميم وسكون العين المهملة ، ثم نون مكسورة ، ثم ياء مشددة : ثقة من العاشرة ( أخبرنا عبد الأعلى ) هو : ابن عبد الأعلى البصري الشامي بالمهملة ، ثقة من الثامنة ( عن سعيد ) هو : ابن أبي عروبة اليشكري مولاهم البصري ، ثقة حافظ له تصانيف ، لكنه كثير التدليس واختلط ، وكان من أثبت الناس في قتادة ، قوله : ( البغايا ) أي : الزواني . جمع " بغي " وهي : الزانية من " البغاء " وهو : الزنا . مبتدأ خبره : ( اللاتي ينكحن ) بضم أوله ; أي : يزوجن ، قاله القاري : ( أنفسهن ) بالنصب ( بغير بينة ) قال الطيبي : المراد بالبينة إما الشاهد . فبدونه زنا . عند الشافعي رحمه الله وأبي حنيفة رحمه الله ، وإما الولي . إذ به يتبين [ ص: 198 ] النكاح . فالتسمية بالبغايا تشديد ؛ لأنه شبهه . انتهى ، قال القاري : لا يخفى أن الأول هو الظاهر ; إذ لم يعهد إطلاق البينة على الولي شرعا وعرفا . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا غندر ) بضم عين معجمة وسكون ، وفتح دال مهملة ، وقد يضم : لقب محمد بن جعفر المدني البصري ، ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة . قوله : ( هذا حديث غير محفوظ . لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روي عن عبد الأعلى إلخ ) قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى : وهذا لا يقدح ؛ لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته ، وقد يرفع الراوي الحديث ، وقد يقفه . انتهى . قوله : ( وفي الباب عن عمران بن حصين ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله ، كذا في المنتقى ، قال الشوكاني : وأخرجه الدارقطني في العلل من حديث الحسن عنه ، وفي إسناده : عبد الله بن محرر ، وهو متروك ، ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا ، وقال : هذا ، وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به ( وأنس ) لينظر من أخرج حديثه . ( وأبي هريرة ) مرفوعا وموقوفا ، أخرجه البيهقي بلفظ لا نكاح إلا بأربعة : خاطب وولي وشاهدين ، وفي إسناده : المغيرة بن موسى البصري [ ص: 199 ] قال البخاري : منكر الحديث . قوله ( وقال بعض أهل العلم : شهادة رجل وامرأتين تجوز في النكاح ، وهو قول أحمد وإسحاق ) وهو قول الحنفية : وقال الشافعي : لا يصح النكاح إلا بشهادة الرجال ، وقال باشتراط العدالة بالشهود ، وقالت الحنفية لا تشترط العدالة ، قال في الهداية - من كتب الحنفية - : اعلم أن الشهادة شرط في باب النكاح ، لقوله عليه السلام : ( لا نكاح إلا بشهود ) ، وهو حجة على مالك : في اشتراط الإعلان دون الشهادة .

                                                                                                          ، ولا بد من اعتبار الحرية فيها ؛ لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية ، ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ ؛ لأنه [ لا ] ولاية بدونهما ، ولا بد من اعتبار الإسلام في أنكحة المسلمين ؛ لأنه لا شهادة للكافر على المسلم ، ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين ، وفيه خلاف الشافعي ، ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا ، خلافا للشافعي .

                                                                                                          له : أن الشهادة من باب الكرامة ، والفاسق من أهل الإهانة ، ولنا : أنه من أهل الولاية ، فيكون من أهل الشهادة ، وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه ، لا يحرم [ الشهادة ] على غيره ؛ لأنه من جنسه . انتهى . قلت : احتج الشافعي على اشتراط العدالة في شهود النكاح ، بتقييد الشهادة بالعدالة في حديث عمران بن حصين ، وفي حديث عائشة قال الشوكاني في النيل : والحق ما ذهب إليه الشافعي : من اعتبار العدالة في شهود النكاح ، لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة وابن عباس . انتهى واحتج الشافعي على اشتراط الذكورة في شهود النكاح ، بقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن لفظ " الشاهدين " يقع على الذكرين ، وأجاب الحنفية عن هذا : بأن لا فرق - في باب الشهادة - بين الذكر والأنثى ، وهذا اللفظ [ يقع ] على مطلق الشاهدين ، مع قطع النظر عن وصف الذكورة والأنوثة . قلت : الظاهر هو قول الشافعي رحمه الله ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية