الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      ( القسم الثاني ) فرض الكفاية ، وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية ، كحفظ القرآن ، والأحاديث ، وعلومهما ، والأصول ، والفقه ، والنحو ، واللغة ، والتصريف ، ومعرفة رواة الحديث ، والإجماع ، والخلاف ، وأما ما ليس علما شرعيا ، ويحتاج إليه في قوام أمر الدنيا كالطب ، والحساب ففرض كفاية أيضا نص عليه الغزالي ، واختلفوا في تعلم الصنائع التي هي سبب قيام مصالح الدنيا كالخياطة ، والفلاحة ، ونحوهما ، واختلفوا أيضا في أصل فعلها فقال إمام الحرمين والغزالي : ليست فرض كفاية ، وقال الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي صاحب إمام الحرمين : هي فرض كفاية . وهذا أظهر ، قال أصحابنا : وفرض الكفاية المراد به تحصيل ذلك الشيء من المكلفين به أو بعضهم ، ويعم وجوبه جميع المخاطبين به ، فإذا فعله من تحصل به الكفاية سقط الحرج عن الباقين ، وإذا قام به جمع تحصل الكفاية ببعضهم فكلهم سواء في حكم القيام بالفرض في الثواب ، وغيره . فإذا صلى على [ ص: 52 ] جنازة جمع ثم جمع ثم جمع فالكل يقع فرض كفاية ، ولو أطبقوا كلهم على تركه أثم كل من لا عذر له ممن علم ذلك ، وأمكنه القيام به ، أو لم يعلم ، وهو قريب أمكنه العلم ، بحيث ينسب إلى تقصير ، ولا يأثم من لم يتمكن ; لكونه غير أهل أو لعذر .

                                      ولو اشتغل بالفقه ، ونحوه ، وظهرت نجابته فيه ، ورجي فلاحه ، وتبريزه فوجهان : أحدهما : يتعين عليه الاستمرار لقلة من يحصل هذه المرتبة ، فينبغي ألا يضيع ما حصله ، وما هو بصدد تحصيله ، وأصحهما لا يتعين ; لأن الشروع لا يغير المشروع فيه عندنا إلا في الحج ، والعمرة ، ولو خلت البلدة من مفت فقيل : يحرم المقام بها ، والأصح لا يحرم إن أمكن الذهاب إلى مفت ، وإذا قام بالفتوى إنسان في مكان سقط به فرض الكفاية إلى مسافة القصر من كل جانب .

                                      واعلم أن للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بفرض العين ; لأنه أسقط الحرج عن الأمة ، وقد قدمنا كلام إمام الحرمين في هذا في فصل ترجيح الاشتغال بالعلم على العبادة القاصرة .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية