الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          باب الوقف على مرسوم الخط

                                                          وهو خط المصاحف العثمانية التي أجمع الصحابة عليها كما تقدم ، أول الكتاب ، واعلم أن المراد بالخط الكتابة . وهو على قسمين قياسي واصطلاحي فالقياسي ما طابق فيه الخط اللفظ ، والاصطلاحي ما خالفه بزيادة ، أو حذف ، أو بدل ، أو وصل ، أو فصل وله قوانين وأصول يحتاج إلى معرفتها ، وبيان ذلك مستوفى في أبواب الهجاء من كتب العربية ، وأكثر خط المصاحف موافق لتلك القوانين لكنه قد جاءت أشياء خارجة عن ذلك يلزم اتباعها ، ولا يتعدى إلى سواها ; منها ما عرفنا سببه ، ومنها ما غاب عنا ، وقد صنف العلماء فيها كتبا كثيرة قديما وحديثا كأبي حاتم ونصير وأبي بكر بن أبي داود وأبي بكر بن مهران وأبي عمرو الداني ، وصاحبه أبي داود والشاطبي والحافظ أبي العلاء ، وغيرهم ، وقد أجمع أهل الأداء وأئمة الإقراء على لزوم مرسوم المصاحف فيما تدعو الحاجة إليه اختيارا واضطرارا فيوقف على الكلمة الموقوف عليها ، أو المسؤول عنها على وفق رسمها في الهجاء ، وذلك باعتبار الأواخر من الإبدال والحذف والإثبات ; وتفكيك الكلمات بعضها من بعض من وصل ، وقطع ، فما كتب من كلمتين موصولتين لم يوقف إلا على الثانية منهما وما كتب منهما مفصولا نحو ران يوقف على كل واحدة منهما هذا هو الذي عليه العمل عن أئمة الأمصار في كل الأعصار ، وقد ورد ذلك نصا وأداء عن نافع وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف ، ورواه كذلك نصا الأهوازي ، وغيره عن ابن عامر ، ورواه كذلك أئمة العراقيين عن كل القراء بالنص والأداء ، وهو المختار . عندنا ، وعند من تقدمنا للجميع ، وهو الذي لا يوجد نص بخلافه ، وبه نأخذ لجميعهم كما أخذ علينا وإلى ذلك أشار أبو مزاحم الخاقاني بقوله :

                                                          [ ص: 129 ]

                                                          وقف عند إتمام الكلام موافقا لمصحفنا المتلو في البر والبحر .

                                                          إذا تقرر هذا فليعلم أن الوقف على المرسوم ينقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه وها نحن نذكر المختلف فيه من ذلك قسما قسما فإنه مقصود هذا الباب ثم نذكر المتفق عليه آخر كل قسم لتتم الفائدة على عادتنا فنقول :

                                                          تنحصر أقسام هذا الباب في خمسة أقسام : الأول الإبدال ، الثاني الإثبات الثالث الحذف ، الرابع الوصل ، الخامس القطع .

                                                          ( فأما الإبدال ) فهو إبدال حرف بآخر ، وهو من المختلف فيه ينحصر في أصل مطرد ، وكلمات مخصوصة ( فالأصل المطرد ) كل هاء التأنيث رسمت تاء نحو " رحمت " ، و " نعمت " ، و " شجرت " ، و " جنت " و " كلمت " ، وهو على قسمين :

                                                          قسم اتفقوا على قراءته بالإفراد ، وقسم اختلفوا فيه . فالقسم المتفق على إفراده جملته في القرآن أربع عشرة كلمة تكرر منها ستة .

                                                          ( الأول ) : " رحمت " في سبعة مواضع . في البقرة " أولئك يرجون رحمت الله " ، وفي الأعراف " إن رحمت الله قريب " ، وفي هود " رحمت الله وبركاته عليكم " ، وفي مريم ذكر " رحمت ربك " ، وفي الروم " إلى آثار رحمت الله " ، وفي الزخرف " أهم يقسمون رحمت ربك " ، " ورحمت ربك خير " .

                                                          ( الثاني ) : " نعمت " في أحد عشر موضعا . في البقرة " نعمت الله عليكم وما أنزل " ، وفي آل عمران " نعمت الله عليكم إذ كنتم " ، وفي المائدة " نعمت الله عليكم إذ هم " ، وفي إبراهيم " بدلوا نعمت الله كفرا " ، " وإن تعدوا نعمت الله " ، وفي النحل : " وبنعمت الله هم يكفرون " ، و " يعرفون نعمت الله " ، " واشكروا نعمت الله " ، وفي لقمان " في البحر بنعمت الله " ، وفي فاطر " نعمت الله عليكم هل من خالق " ، وفي الطور " فذكر فما أنت بنعمت ربك " .

                                                          ( الثالث ) : " امرأت " في سبعة مواضع في آل عمران " إذ قالت امرأت عمران " ، وفي يوسف " قالت امرأت العزيز " في الموضعين . في القصص " وقالت امرأت فرعون " ، وفي التحريم " امرأت نوح وامرأت لوط " و " امرأت فرعون " .

                                                          [ ص: 130 ] ( الرابع ) " سنت " في خمسة مواضع في الأنفال فقد مضت سنت الأولين ، وفي فاطر فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا ، وفي غافر : سنت الله التي قد خلت في عباده .

                                                          ( الخامس ) لعنت في موضعين : أحدهما في آل عمران فنجعل لعنت الله على الكاذبين ، و " أن لعنت الله " في النور .

                                                          ( السادس ) معصيت الرسول في الموضعين من المجادلة ، وغير المكرر سبعة ، وهي " كلمت ربك الحسنى " في الأعراف و " بقيت الله خير لكم " في هود و " قرت عين " في القصص و " فطرت الله " في الروم و " شجرت الزقوم " في الدخان و " جنت نعيم " في الواقعة و " ابنت عمران " في التحريم . فوقف على هذه المواضع بالهاء خلافا للرسم ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب ، هذا هو الذي قرأنا به ونأخذ به ، وهو مقتضى نصوصهم ، ونصوص أئمتنا المحققين عنهم وقياس ما ثبت نصا عنهم وإن كان أكثر المؤلفين لم يتعرضوا لذلك فيقتضي عدم ذكرهم له والكثير من هذا الباب أن تكون الجماعة كلهم فيه على الرسم فلا يكون فيه خلاف الوقف عليه بالتاء . فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ وغاية من لم يذكر ذلك السكوت ، ولا حجة فيه ، وفي الكافي الوقف في ذلك بالهاء لأبي عمرو والكسائي ، وفي الهداية للكسائي وحده ، وفي الكنز لابن كثير وأبي عمرو والكسائي ، فلم يذكر يعقوب .

                                                          والقسم الذي قرئ بالإفراد وبالجمع ثمانية أحرف ، وهي " كلمت ربك " في الأنعام " وتمت كلمت ربك صدقا " ، وفي يونس " وكذلك حقت كلمت ربك " ، و " إن الذين حقت عليهم كلمت ربك " ، وفي غافر " وكذلك حقت كلمت ربك " ، و " آيات للسائلين " في يوسف و " في غيابت الجب " في الموضعين من يوسف و " آيات من ربه " في العنكبوت وفي الفرقان " آمنون " ، وفي سبأ و " على بينت منه " في فاطر " وما تخرج من ثمرات " في فصلت و " جمالت " في المرسلات . فمن

                                                          [ ص: 131 ] قرأ شيئا من ذلك بالإفراد وكان من مذهبه الوقف بالهاء كما تقدم وقف بالهاء وإن كان من مذهبه الوقف بالتاء وقف بالتاء . من قرأه بالجمع وقف عليه بالتاء كسائر الجموع . وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في أماكنه - إن شاء الله تعالى - .

                                                          وقد أجمعت المصاحف على كتابة ذلك كله بالتاء إلا ما ذكره الحافظ أبو عمرو الداني في الحرف الثاني من يونس ، وهو " إن الذين حقت عليهم كلمت ربك " قال : تأملته في مصاحف أهل العراق فرأيته مرسوما بالهاء ; وكذلك اختلف أيضا في قوله في غافر وكذلك حقت كلمة ربك فكتابته بالهاء على قراءة الإفراد ، بلا نظر . وكتابته بالتاء على مراد الجمع . ويحتمل أن يراد الإفراد ويكون كنظائره مما كتب بالتاء مفردا . ولكن الذي هو في مصاحفهم بالتاء قرءوه بالجمع فيما نعلمه - والله أعلم - .

                                                          ويلتحق بهذه الأحرف حصرت صدورهم في النساء . قرأ يعقوب بالتنوين والنصب على أنه اسم مؤنث . وقد نص عليه أبو العز القلانسي وأبو الحسن طاهر بن غلبون والحافظ أبو عمرو الداني وغيرهم أن الوقف عليه بالهاء . وذلك على أصله في الباب . ونص أبو طاهر بن سوار وغيره على أن الوقف بالتاء لكلهم ، وذلك يقتضي التاء له وسكت آخرون فلم ينصوا فيه كالحافظ أبي العلاء ، وغيره ، وقال سبط الخياط في المبهج : والوقف بالتاء إجماع لأنه كذلك في المصحف .

                                                          قال : ويجوز الوقف عليه بالهاء في قراءة يعقوب مثل كلمة ووجلة ، وهذا يقتضي الوقف عنده على ما كتب تاء بها كما قدمنا - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية