الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 266 ] النفقات على الأقارب 1929 - مسألة : فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار أن يبدأ بما لا بد له منه ، ولا غنى عنه به : من نفقة وكسوة ، على حسب حاله وماله ، ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه : من أبويه ، وأجداده ، وجداته ، وإن علوا - وعلى البنين والبنات وبنيهم - وإن سفلوا - والإخوة والأخوات والزوجات - : كل هؤلاء يسوى بينهم في إيجاب النفقة عليهم ، ولا يقدم منهم أحد على أحد - قل ما بيده بعد موته أو كثر - لكن يتواسون فيه ، فإن لم يفضل له عن نفقة نفسه شيء : لم يكلف أن يشركه في ذلك أحد ممن ذكرنا ، فإن فضل عن هؤلاء - بعد كسوتهم ونفقتهم - شيء أجبر على النفقة على ذوي رحمه المحرمة وموروثيه ، إن كان من ذكرنا لا شيء لهم ، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه ، وهم الأعمام ، والعمات - وإن علوا - والأخوال والخالات - وإن علوا - وبنو الإخوة - وإن سفلوا .

                                                                                                                                                                                          والموروثون - هم : من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات ، من عصبة أو مولى من أسفل ، فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شيء عليه من نفقاتهم .

                                                                                                                                                                                          ومن مرض ممن ذكرنا كلف أن يقوم بهم وبمن يخدمهم ، وكل هؤلاء فمن قدر منهم على معاش وتكسب ، - وإن خس - فلا نفقة لهم ، إلا الأبوين والأجداد ، والجدات ، والزوجات " فإنه يكلف أن يصونهم عن خسيس الكسب - إن قدر على ذلك .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 267 ] ويباع عليه في كل ما ذكرنا ما به عنه غنى من عقاره وعروضه وحيوانه ولا يباع عليه من ذلك ما إن بيع عليه هلك وضاع ، فما كان هكذا لم يبع إلا فيما في نفسه إليه ضرورة إن ، لم يتداركها بذلك هلك ، ولا يشارك الوالد أحد في النفقة على ولده الأدنين فقط .

                                                                                                                                                                                          وهذا مكان اختلف فيه : فقالت طائفة : لا يجبر أحد على نفقة أحد ، كما حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد الكشي نا قبيصة عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي ، قال : ما رأيت أحدا أجبر أحدا على أحد - يعني على نفقته .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا ينفق أحد إلا على الوالد الأدنى ، والأم التي ولدته من بطنها هذين - يعني الأبوين - يجبر الذكر والأنثى من الولد على النفقة عليهما إذا كانا فقيرين ، ويجبر الرجل دون المرأة على النفقة على الولد الأدنى الذكر حتى يبلغ فقط ، وعلى البنت الدنيا - وإن بلغت - حتى يزوجها فقط .

                                                                                                                                                                                          ولا تجبر الأم على نفقة ولدها - وإن مات جوعا - وهي في غاية الغنى .

                                                                                                                                                                                          قال : ولا ينفق على أبويه إلا ما فضل عن نفقته ونفقة زوجته - وهذا قول مالك ومن قلده .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : يجبر على النفقة على الأبوين والأجداد والجدات - وإن بعدوا - وعلى بنيه وبناته ومن تناسل منهم - وإن سفل - ولا يجبر على نفقة أحد غير من ذكرنا - وهو قول الشافعي ومن قلده - وقد أشار في بعض كلامه إلى أن المرأة لا تجبر على نفقة أب ، ولا أم ، ولا غيرهما .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا يجبر أحد إلا على كل ذي رحم محرمة وهو قول حماد بن أبي سليمان - وبه يقول أبو حنيفة إلا أنه تناقض تناقضا شنيعا ، قال : يجبر الرجل على النفقة على أولاده الصغار المحتاجين خاصة - ذكورا كانوا أو إناثا - فإن كانوا كبارا محتاجين أجبر على نفقة الإناث منهم ولم يجبر على نفقة الذكور إلا أن يكونوا زمنى .

                                                                                                                                                                                          فإن كانوا زمنى محتاجين أجبر على النفقة عليهم ، وكذلك يجبر على نفقة الصغار المحتاجين من الذكور والإناث والكبار والفقيرات من النساء خاصة - وإن لم يكن [ ص: 268 ] زمنات - والكبار المحتاجين إذا كانوا زمنى ، وإلا فلا - كل ذلك من ذوي رحمه المحرمة إذا كان وارثا لهم خاصة .

                                                                                                                                                                                          ولا يجبر على نفقة ذي رحم محرمة إذا لم يكن هو وارثا له ، ولا على نفقة موروثه إذا لم يكن ذا رحم محرمة منه .

                                                                                                                                                                                          قال : ولا يشارك الوالد في النفقة على ولده أحد ، ولا يشارك الولد في النفقة على والديه أحد ، فإن كان جماعة وارثون ذوو رحم محرمة ممن ذكرنا أنه يجبر على النفقة أجبروا كلهم على النفقة عليه على قدر مواريثهم منه .

                                                                                                                                                                                          قالوا : فإن اختلفت أديانهم لم يلزم أحدا منهم نفقة على من دينه خلاف دينه إلا الولد على أبويه المخالفين له في دينه ، وإلا الوالد الكافر على نفقة أولاده الصغار خاصة الذين صاروا مسلمين بإسلام أمهم .

                                                                                                                                                                                          قال : ولا يجبر فقير على أحد إلا الوالد على أولاده الصغار ، وإلا الزوج على نفقة زوجته ، وإلا الرجل الفقير ، والمرأة الفقيرة على نفقة أمهما الفقيرة - قال : ولا يجبر الابن الفقير على نفقة أبيه الفقير إلا أن يكون الأب زمنا فيجبر حينئذ على النفقة عليه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ليت شعري كيف يمكن إجبار فقير على نفقة أحد ، إن هذا لعجب ؟ ثم لوددنا أن نعرف حد هذا الفقر عندهم من الغنى الذي يوجبون به النفقة على من ذكروا قبل ، ثم نسوا ما قالوا ، فقالوا : إن كان له خال ، وابن عم موسران ، وهو فقير زمن ، أو صغير صحيح فقير : فنفقته على خاله دون ابن عمه .

                                                                                                                                                                                          قالوا : فإن كان رجل معسر زمن وله ابنة معسرة ، وله أخ شقيق ، وأخ لأب ، وأخ لأم موسرون : فنفقته ونفقة ابنته على الشقيق فقط .

                                                                                                                                                                                          قالوا : فلو كان مكان الابنة ابن معسر زمن كبير كانت نفقة الأب خمسة أسداسها على شقيقه ، وسدسها على أخيه للأم ولا شيء من ذلك على أخيه للأب وكانت نفقة الابن على عمه شقيق أبيه فقط .

                                                                                                                                                                                          فاعجبوا لهذا الهوس ؟ وهم لا يورثون الأب ، ولا الابن وكل ذي رحم محرمة ، قالوا : ومن كان فقيرا زمنا وله أب موسر ، وابن موسر ، فنفقته على الابن دون الأب - ولهم تخليط كثير طويل غث ، يكفي من بيان سقوطه ما ذكرنا - ونسأل الله تعالى العافية .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 269 ] وقالت طائفة : بمثل قولنا - كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن شعيب أن سعيد بن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب وقف بني عم منفوس كلالة بالنفقة عليه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي - هو ابن المديني - نا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب حبس عصبة صبي أن ينفقوا عليه الرجال دون النساء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن هو الرؤاسي عن الحسن - هو ابن حي - عن مطرف - هو ابن طريف - عن إسماعيل - هو ابن علية - عن الحسن البصري عن زيد بن ثابت قال : إذا كان عم وأم ؟ فعلى العم بقدر ميراثه وعلى الأم بقدر ميراثها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود جعل نفقة الصبي من ماله ، وقال لوارثه : أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقة - ألا ترى أنه تعالى يقول : { وعلى الوارث مثل ذلك } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل نا مسدد نا عبد الله بن يزيد - هو المقري - نا حيوة بن شريح عن جعفر بن ربيعة أن قبيصة بن ذؤيب قال في قول الله عز وجل { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : رضاع الصبي - : نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه نا إبراهيم بن خريم نا عبد بن حميد نا روح - هو ابن عبادة - عن هشام بن حسان عن الحسن البصري ، قال : نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه ، قال الله عز وجل { وعلى الوارث مثل ذلك } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى روح بن عبادة عن ابن جريج قلت : لعطاء أيجبر وارث الصبي - وإن كره - بأجر مرضعته إذا لم يكن للصبي مال ؟ فقال : أفتدعه يموت .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء { وعلى الوارث مثل ذلك } فقال عطاء : هو وارث المولود ، عليه مثل ذلك ، أي مثل ما ذكر .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 270 ] ومن طريق إسماعيل نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن أشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري في قوله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : النفقة

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية