الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 135 ] ثم دخلت سنة ست وثمانين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم إلى بغداد رجل يقال له أردشير بن منصور أبو الحسين العبادي مرجعه من الحج ، فنزل النظامية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فوعظ الناس ، وحضر مجلسه الغزالي مدرس المكان وازدحم الناس في مجلس وعظه وكثروا في المجالس بعد ذلك ، وترك كثير من الناس معايشهم ، وكان يحضر مجلسه في بعض الأحيان قريب من ثلاثين ألفا من الرجال والنساء ، وتاب كثير من الناس ولزموا المساجد ، وأريقت الخمور وكسرت الملاهي ، وكان الرجل في نفسه صالحا له عبادات وفيه زهد وافر ، وله أحوال صالحة ، وكان الناس يزدحمون على فضل وضوئه ، وربما أخذوا من البركة التي يتوضأ منها للبركة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونقل ابن الجوزي أنه اشتهى مرة على بعض أصحابه توتا شاميا وثلجا ، فطاف البلد بكماله فلم يجده ، فرجع فوجد الشيخ في خلوته ، فسأل : هل جاء اليوم إلى الشيخ أحد؟ فقيل له : جاءت امرأة فقالت : إني غزلت بيدي غزلا وبعته ، وأنا أحب أن أشتري للشيخ طرفة ، فامتنع من ذلك فبكت ، فرحمها وقال : اذهبي فاشتري فقالت : ماذا تشتهي فقال ما شئت فذهبت فأتته بتوت شامي وثلج فأكله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ] وقال بعضهم : دخلت عليه وهو يشرب مرقا فقلت في نفسي ليته أعطاني فضله لأشربه لحفظ القرآن ، فناولني فضله فقال : اشربها على تلك النية ، قال : فرزقني الله حفظ القرآن وكانت له عبادات ومجاهدات ثم اتفق أنه تكلم في بيع القراضة بالصحيح فمنع من الجلوس وأخرج من البلد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة خطب تتش بن ألب أرسلان صاحب دمشق لنفسه بالسلطنة ، وطلب من الخليفة أن يخطب له بالعراق فحصل التوقف عن ذلك ، بسبب ابن أخيه بركياروق بن ملكشاه فسار إلى الرحبة وفي صحبته وطاعته آق سنقر قسيم الدولة صاحب حلب وبوزان صاحب الرها ، ففتح الرحبة ثم سار إلى الموصل فأخذها من يد صاحبها إبراهيم بن قريش بن بدران ، وهزم جيوشه من بني عقيل ، وقتل خلقا من الأمراء صبرا وكذلك أخذ ديار بكر ، واستوزر الكافي بن فخر الدولة بن جهير ، وكذلك أخذ همذان وخلاط وفتح أذربيجان ، واستفحل أمره ثم فارقه الأميران آق سنقر وبوزان فسارا إلى الملك بركياروق ، وبقي تتش وحده فطمع فيه ابن أخيه بركياروق فرجع تتش فلحق قسيم الدولة آق سنقر وبوزان بباب حلب فكسرهما وأسر بوزان وآق سنقر فصلبهما وبعث برأس بوزان فطيف به حران والرها وملكها من بعده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت الفتنة بين الروافض والسنة وانتشرت بينهم شرور كثيرة [ ص: 137 ] وفي ثاني شعبان ولد الخليفة المسترشد بالله أبو منصور الفضل بن أبي العباس أحمد المستظهر ، ففرح الخليفة به وولي عهده بالولد السعيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي القعدة دخل السلطان بركياروق بغداد وخرج إليه الوزير أبو منصور بن جهير وهنأه عن الخليفة بالقدوم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أخذ المستنصر العبيدي مدينة صور من أرض الشام . ولم يحج فيها أحد من أهل العراق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية