الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                          صفحة جزء
                                          قوله تعالى واتل عليهم نبأ إبراهيم

                                          [ 15689 ] - حدثنا أبو زرعة ، ثنا عمرو بن حماد ، ثنا أسباط ، عن السدي : " إن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوشن بن سام بن نوح، وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض أربعة: نمرود ، وسليمان بن داود وذو القرنين، وبختنصر مسلمين وكافرين، وإنه اطلع كوكب على نمرود ذهب بضوء الشمس والقمر ففزع من ذلك فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن ذلك فقالوا: يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك، وكان مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى، وأخرج الرجال وترك النساء وأمر ألا يولد مولود ذكر إلا ذبحه فذبح أولادهم، ثم إنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها إلا آزر أبا [ ص: 2777 ] إبراهيم فدعاه فأرسله فقال له: انظر لا تواقع أهلك، فقال له آزر: أنا أضن بديني من ذلك، فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه أن وقع عليها ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها: أود، فجعلها في سرب فكان يتعاهدها بالطعام ومما يصلحها، وإن الملك لما طال عليه الأمر قال: قول سحرة كذابين ارجعوا إلى بلدكم، فرجعوا وولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكان في كل يوم يمر به كأنه جمعة والجمعة كالشهر من سرعة نمائه، نسي الملك ذلك، وكبر إبراهيم ولا يدري أحد من الخلق غيره وغير أبيه وأمه فقال آزر لأصحابه: إن لي ابنا وقد خبأته فتخافون عليه الملك إن أنا جئت به؟ قالوا: لا، فأت به فانطلق فأخرجه فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق فجعل يسأل أباه فيقول: ما هذا؟ فيخبره عن البعير أنه بعير، وعن البقرة أنها بقرة، وعن الشاة أنها شاة فقال: ما لهؤلاء الخلق بد من أن يكون لهم رب "

                                          [ 15690 ] - حدثنا محمد بن العباس ، ثنا عبد الرحمن بن سلمة ، ثنا سلمة بن الفضل قال: ثنا محمد بن إسحاق ، " كان من حديث إبراهيم أن آزر كان رجلا من أهل كوثى من أهل قرية بالسواد ] - سواد الكوفة ] - وكان إذ ذاك ملك المشرق لنمرود الخابط، وكان يقال له: العاصي، وكان ملكه فيما يزعمون قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها وكان ببابل، وكان ملك قومه بالمشرق وقيل ملك فارس ويقال: لم يجتمع ملك الأرض ولم يجتمع الناس على ملك واحد إلا على ثلاثة ملوك: نمرود بن راعو، وذو القرنين وسليمان بن داود ، فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم حجة على قومه ورسولا إلى عباده ولم يكن فيما بين نوح، وإبراهيم نبي قبله إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله فيه ما أراد أتى أصحاب النجوم نمرود فقالوا له: إنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له: إبراهيم يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا " فكان مما أجاز عندي هذا الحديث وصدقت به أن للرسل نجوما يولدون بها يعرفها أصحاب العلم من أهل العلم بها

                                          [ 15691 ] - حدثنا محمد بن العباس ، ثنا عبد الرحمن ، ثنا سلمة ، قال ابن إسحاق : " فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته، فحبسها عنده، إلا ما كان من أم إبراهيم امرأة آزر، فإنه لم يعلم بحبلها؛ وذلك أنها كانت امرأة حدبة فيما يذكرون لم يعرف الحبل في بطنها، ولما أراد الله أن يبلغ بولدها أراد أن يقتل كل غلام ولد في ذلك الشهر من تلك السنة حذرا على [ ص: 2778 ] ملكه، فجعل لا تلد امرأة غلاما في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذبح، فلما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبا منها فولدت فيها إبراهيم وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود ثم سدت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل فتجده حيا يمص إبهامه والله أعلم فيما يزعمون، إن الله عز وجل جعل رزق إبراهيم فيها وما يجيئه من مصة، وكان آزر فيما يزعمون سأل أم إبراهيم عن حملها: ما فعل؟ فقالت: ولدت غلاما فمات، فصدقها وسكت عنها، فكان اليوم فيما يذكرون على إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة، فلم يمكث إبراهيم صلى الله عليه وسلم في المغارة فيما يذكرون إلا خمسة عشر شهرا حتى قال لأمه: أخرجيني فأخرجته عشاء، فنظر فتفكر في خلق السموات والأرض وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي، ما لي إله غيره "

                                          التالي السابق


                                          الخدمات العلمية