الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              550 - أبو تراب

              ومنهم أبو تراب عسكر بن الحصين ، وقيل : ابن محمد بن الحصيني ، النخشبي [ ص: 220 ] صاحب حاتم الأصم ، ولقي أبا حمزة العطار البصري ، معروف بالتوكل والسياحة والفتوة ، توفي بالبادية ونهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين ، صحبه أبو بكر بن أبي عاصم النبيل ، وأبو عبد الله بن الجلاء ، وأبو عبيدة البسري .

              سمعت أبا عبد الله أحمد بن إسحاق يقول : سمعت أبا بكر أحمد بن أبي عاصم يقول : سمعت أبا تراب الزاهد يقول : سمعت حاتما الأصم يقول عن شقيق قال : اصحب الناس كما تصحب النار ، خذ منفعتها واحذر أن تحرقك .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا قال : سمعت أبا تراب الزاهد يقول : قال حاتم الأصم : الزهد اسم والزاهد الرجل وللزاهد ثلاث شرائع : أولها الصبر بالمعرفة ، والاستقامة على التوكل ، والرضا بالقضاء . وأما تفسير الصبر بالمعرفة ، فإذا نزلت الشدة أن تعلم بقلبك أن الله يراك على حالك فتصبر وتحتسب وتعرف ثواب ذلك الصبر ، ومعرفة ثواب الصبر أن تكون مستوطن النفس في ذلك الصبر وتعلم أن لكل شيء وقتا ، والوقت على وجهين ، إما يجيء بالفرج وإما يجيء بالموت فإذا كان هذان الشيئان عندك فأنت حينئذ عارف صابر ، وأما الاستقامة على التوكل ، فالتوكل إقرار باللسان وتصديق بالقلب ، فإذا كان مقرا مصدقا أنه رازق لا شك فيه فإنه مستقيم ، والاستقامة على معنيين : أن تعلم أن ما لك لا يفوتك ، فتكون واثقا ساكنا ، وما لغيرك لا تناله فلا تطمع فيه ، وعلامة صدق هذا اشتغاله بالمفروض ، وأما الرضا بالقضاء فالقضاء ينزل على وجهين : قضاء تهواه فيجب عليك الشكر والحمد ، وأما القضاء الذي لا تهواه فيجب عليك أن ترضى وتصبر .

              سمعت والدي يقول : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء - بمكة - يقول : لقيت زيادة على خمسمائة شيخ ما لقيت مثل أربعة : أولهم أبو تراب النخشبي توفي بالبادية فأكلته السباع . قال : وكان أبو تراب يقول لأصحابه : أنتم تحبون ثلاثة أشياء وليست لكم : تحبون النفس وهي لله ، وتحبون الروح والروح لله ، وتحبون المال والمال للورثة ، وتحبون اثنين ولا تجدونهما : الفرح والراحة وهما في الجنة .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ، ثنا عسكر [ ص: 221 ] بن الحصين السائح قال : رئي إبراهيم بن أدهم في يوم صائف وعليه جبة فرو مقلوبة في أصل ميل مستلقيا رافعا رجليه يقول : طلب الملوك الراحة فأخطئوا الطريق .

              سمعت أبا القاسم عبد السلام بن محمد البغدادي بمكة يقول : قال رجل لأبي تراب يوما : ألك حاجة ؟ فقال : يوم يكون لي إليك حاجة وإلى أمثالك لا يكون لي إلى الله حاجة ، وقال : الذي منع الصادقين الشكوى إلى غير الله الخوف من الله ، وقال : حقيقة الغنى أن تستغني عمن هو مثلك ، وحقيقة الفقر أن تفتقر إلى من هو مثلك .

              سمعت أحمد بن إسحاق يقول : ثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال : سمعت أبا تراب يقول : سمعت حاتما يقول : لي أربع نسوة وتسعة من الأولاد ما طمع شيطان أن يوسوس إلي في شيء من أرزاقهم .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا أبو تراب عسكر بن الحصين قال : جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال : يا أبا عبد الرحمن أي شيء رأس الزهد ووسط الزهد وآخر الزهد ؟ فقال : رأس الزهد الثقة بالله ، ووسطه الصبر ، وآخره الإخلاص .

              أسند أبو تراب غير حديث .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن عبد الله بن مصعب ، ثنا أبو تراب الزاهد عسكر بن الحصين ، ثنا محمد بن نمير ، ثنا محمد بن ثابت ، عن شريك بن عبد الله ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب ; فإن ربهم يطعمهم ويسقيهم " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا أبو تراب ، ثنا نعيم بن حماد المصري ، ومعاذ بن أسد ، قالا : عن الفضل بن موسى السختياني ، عن الحسين بن واقد ، عن أيوب السختياني ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أن لي قرصة بيضاء ملبكة بالسمن واللبن ؟ " فقام رجل [ ص: 222 ] فجاء به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " في أي شيء كان ؟ " فقال : في عكة ضب ، فلم يأكله النبي صلى الله عليه وسلم .

              حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق ، ثنا عبد الصمد بن علي بن مكرم قال : حدثني أحمد بن سليمان بن المبارك ، ثنا أبو تراب الزاهد البلخي ، ثنا واصل بن إبراهيم ، ثنا أبو حمزة ، عن رقبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن جندب بن سفيان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، ثنا أبو تراب ، ثنا أحمد بن نصر ، ثنا عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه قال : قال وهب بن منبه : أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام : يا موسى لا تحسد الناس على ما آتيتهم من فضلي ونعمتي ، فإن الحاسد عدو لنعمتي ، مضل لفضلي ، ساخط لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يكن كذلك فليس مني ولست منه .

              حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال : سمعت أبا عبيد حازم بن أبي حازم يقول : سمعت أخي أحمد بن محمد يقول : قال أبو تراب النخشبي : وقفت ستا وخمسين وقفة فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات ما رأيت قط أكثر منهم ولا أكثر خشوعا وتضرعا ودعاء فأعجبني ذلك وقلت : اللهم من لم تتقبل حجته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجتي له ، فأفضنا وبتنا بجمع فرأيت في منامي هاتفا يهتف بي : تتسخى علي وأنا أسخى الأسخياء ؟ وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له ، فانتبهت فرحا بهذه الرؤيا ، فرأيت يحيى بن معاذ الرازي فقصصت عليه الرؤيا فقال : إن صدقت رؤياك فإنك تعيش أربعين يوما ، فلما كان يوم أحد وأربعين يوما جاءوا إلى يحيى بن معاذ فقالوا : إن أبا تراب قد مات ، فقمنا فغدونا ، رحمه الله .

              قال الشيخ : ذكر جماعة من جماهير العارفين من العراقيين ، اقتصرنا على ذكرهم من دون كلامهم وأخبارهم ، منهم من تنسب إليه الكتب المصنفة كأبي سعيد الخزاز وطبقته ، ومنهم من رفع الله رايته بما انتشر عنه من كثرة أصحابه وتلامذته ، رحمة الله علينا وعليهم أجمعين .

              [ ص: 223 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية