الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المسح على العمامة

                                                                                                          100 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة قال بكر وقد سمعته من ابن المغيرة قال وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية وسمعت أحمد بن الحسن يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان قال وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة قال أبو عيسى حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحق قالوا يمسح على العمامة وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي قال أبو عيسى وسمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت وكيع بن الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر [ ص: 289 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 289 ] ( باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة ) في نسخة قلمية عتيقة : باب ما جاء في المسح على العمامة ، وليس فيها لفظ الجوربين وهو الظاهر .

                                                                                                          قوله : ( عن بكر بن عبد الله المزني ) البصري ثقة من أوساط التابعين ( عن الحسن ) هو الحسن البصري ( عن ابن المغيرة بن شعبة ) اسم ابن المغيرة هذا حمزة وللمغيرة ابنان حمزة وعروة ، والحديث مروي عنهما جميعا ، لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن ابن المغيرة غير مسمى ، ولا يقول : بكر بن عروة ، ومن قال : عروة عنه فقد وهم ، قاله النووي في شرح مسلم ، وحمزة بن المغيرة هذا ثقة من أوساط التابعين .

                                                                                                          قوله : ( ومسح على الخفين والعمامة ) بكسر العين وجمعه العمائم ( قال بكر وقد سمعته من ابن المغيرة ) أي بلا واسطة الحسن ( وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته ) الناصية مقدم الرأس ، وقد وقع في رواية لمسلم مسح على الخفين ومقدم رأسه وعلى عمامته .

                                                                                                          ( وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية ) والذاكرون ثقات حفاظ فزيادة الناصية مقبولة بلا شك ، قال النووي في شرح مسلم : قوله ومسح بناصيته وعلى العمامة هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ، ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي ، فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد [ ص: 290 ] لا يجوز ، كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى . وأما التيمم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب ليكون الطهارة على جميع الرأس ، ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث ، وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته ، ويستحب أن يتيمم على القلنسوة كالعمامة ، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء ، وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف . انتهى كلام النووي .

                                                                                                          قلت : والمرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل لأحاديث الباب والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة ) أما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه عنه ، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه ، وأما حديث سلمان فأخرجه أحمد عنه أنه رأى رجلا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره ، وحديث سلمان هذا أخرجه أيضا الترمذي في العلل ولكنه قال مكان " وعلى خماره " " وعلى ناصيته " ، وفي إسناده أبو شريح ، قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه؟ فقال : لا أدري لا أعرف اسمه ، وفي إسناده أيضا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان وهو مجهول ، قال الترمذي لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث .

                                                                                                          وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ، قال صاحب المنتقى : العصائب العمائم والتساخين الخفاف ، قال الشوكاني في النيل : في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان ، قال الخلال في علله : إن أحمد قال : لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما . انتهى .

                                                                                                          وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني بلفظ " مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك " وفي الباب أيضا عن خزيمة بن ثابت أخرجه الطبراني " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار " وعن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على الخفين والخمار أخرجه الطبراني في معجمه الصغير وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار أخرجه البيهقي في سننه ، وعن أبي ذر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار أخرجه الطبراني [ ص: 291 ] في معجمه الأوسط ، وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه .

                                                                                                          قوله : ( حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم بلفظ " فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين " ولم يخرجه البخاري ، وقال الحافظ : وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه ، وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم ، وقد تعقبه ابن عبد الهادي وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا : يمسح على العمامة ) قال الحافظ في الفتح : وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم ، وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا . انتهى .

                                                                                                          قال الشوكاني في النيل : قال الشافعي إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول . انتهى . وقال فيه : ورواه - أي المسح على العمامة - ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول ، وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله . انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : ومسح على العمامة مقتصرا عليها ومع الناصية وثبت عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث ، لكن في قضايا أعيان يحتمل أن يكون خاصة بحال الحاجة والضرورة ، ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر . انتهى .

                                                                                                          وفي شرح الموطأ للزرقاني : وأجاز المسح عليها أحمد والأوزاعي وداود وغيرهم ، للآثار وقياسا على الخفين ، ومنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة لأن المسح على الخفين مأخوذ من الآثار لا من [ ص: 292 ] القياس . ولو كان منه لجاز المسح على القفازين ، وقال الخطابي : فرض الله مسح الرأس ، وحديث مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل وقياسه على الخف بعيد لمشقة نزعه بخلافها . وتعقب بأن الآية لا تنفي الاقتصار على المسح لا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه . لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو على حائل . وبأن المجيزين الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه مشقة نزعها كالخف ، ورد الأول بأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ما لم يرد نص صريح بخلافه ، والنصوص وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا بمسح الرأس فتحمل رواية مسح العمامة على أنه كان لعذر بدليل المسح على الناصية معها كما في مسلم . انتهى كلام الزرقاني .

                                                                                                          قلت : قد ثبتت وصحت أحاديث المسح على العمامة فلا حاجة إلى القياس على المسح على الخفين ولا حاجة إلى تأويل تلك الأحاديث ، بل الظاهر أن تحمل على ظواهرها .

                                                                                                          فائدة : اختلف القائلون بالمسح على العمامة هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج ، فقال أبو ثور : لا يمسح على العمامة إلا من لبسها على طهارة قياسا على الخفين ، ولم يشترط ذلك الباقون ، وكذلك اختلفوا في التوقيت ، فقال أبو ثور أيضا إن وقته كوقت المسح على الخفين ، وروي مثل ذلك عن عمر . والباقون لم يوقتوا . قال ابن حزم : إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت ، وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر . لكن في إسناده مروان أبو سلمة ، قال ابن أبي حاتم : ليس بالقوي ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال الأزدي ليس بشيء . وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : ليس بصحيح . انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          قوله : ( يقول سمعت وكيع بن الجراح يقول : إن مسح على العمامة يجزئه للأثر ) أي للحديث ، والأمر عندي كما قال وكيع فإن أحاديث الباب تدل على إجزاء المسح على العمامة .




                                                                                                          الخدمات العلمية