الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج ، فإن وطئها في الفرج ، فعليه نصف دينار كفارة ، وعنه : ليس عليه إلا التوبة ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج ) من القبلة ، واللمس ، والوطء بما دون الفرج في قول جماعة ، لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض [ البقرة 222 ] قال ابن عباس : فاعتزلوا نكاح فروجهن ، رواه عبد بن حميد ، وابن جرير ، ولأن المحيض هو اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد ، وقاله ابن عقيل ، كالمقيل ، والمبيت ، فيختص التحريم بمكان الحيض ، وهو الفرج ، ولهذا لما نزلت هذه الآية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اصنعوا كل شيء إلا النكاح رواه مسلم . وفي لفظ " الجماع " رواه أحمد وغيره ، ولأنه وطء منع للأذى ، فاختص بمحله كالدبر ، وقيل : المحيض زمن الحيض قاله في " الرعاية " وغيرها ، فالاعتزال على هذا اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة ، ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب ، وهو الوطء في الفرج ، قال الشيخ تقي الدين : هذا هو المراد ، لأنه قال : هو أذى فاعتزلوا ، فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء ، فدل على أن الوصف هو العلة ، لا سيما وهو مناسب للحكم كآية السرقة ، والأمر بالاعتزال في الدم للضرر والتنجيس ، وهو مخصوص بالفرج ، فيختص الحكم بمحل سببه ، وقال ابن قتيبة : المحيض : الحيض نفسه لقوله تعالى : قل هو أذى ولا شك أن الاستمتاع بما فوق السرة ، وتحت الركبة جائز إجماعا ، فكذا ما بينهما ، وعلى هذا يسن ستر فرجها عند مباشرة غيره ، وقال ابن حامد : يجب ، وعن أحمد : لا يجوز أن يستمتع بما بينهما ، وجزم به في " النهاية " لخوفه مواقعة المحظور ، لما روى عبد الله بن سعد : أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يحل لي من امرأتي ، وهي حائض ؛ قال : لك ما فوق الإزار [ ص: 265 ] رواه أبو داود ، وأجيب بأنه من رواية حزام بن حكيم ، وقد ضعفه ابن حزم وغيره . سلمنا صحته ، فإنه يدل بالمفهوم ، والمنطوق راجح عليه ، وما روى البخاري عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرني أن أتزر ، فيباشرني وأنا حائض لأنه كان يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكل الضب .

                                                                                                                          ( فإن وطئها ) من يجامع مثله ، ولو بلف خرقة قبل انقطاعه ( في الفرج فعليه نصف دينار كفارة ) كذا في " المحرر " وهو رواية لما روي : أن عمر بن الخطاب وقع على جارية له ، فوجدها حائضا ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فقال : يغفر الله لك يا أبا حفص ، تصدق بنصف دينار رواه حرب ، وظاهر المذهب أن الكفارة دينار أو نصفه على وجه التخيير ، لما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو نصفه رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، وقال : هكذا الرواية الصحيحة ، وعنه : نصفه ، وعنه : نصفه في إدباره ، وعنه : بل في أصفر ، وما ذكرناه هو المشهور ، لأنه معنى تجب فيه الكفارة ، فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره ، وصفاته كالإحرام ، لا يقال : كيف يخير بين الشيء ونصفه ؛ لأنه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر ، وظاهره لا فرق بين كونه ذهبا مضروبا أو تبرا ، نقله الجماعة ، واعتبر الشيخ تقي الدين كونه مضروبا ، قال في " الفروع " : هو أظهر ، لأن الدينار اسم له كما في الدية ، وذكر في " الرعاية " هل الدينار هنا عشرة أو اثنا عشر ؛ يحتمل وجهين ، ومراده : إذا أخرج دراهم كم يخرج ؛ وإلا فلو أخرج ذهبا لم تعتبر قيمته بلا شك ، وأنه لا فرق بين الناسي ، والمكره ، والجاهل [ ص: 266 ] بالحيض أو التحريم أو هما للعموم ، وعنه : لا كفارة ، قال القاضي ، وابن عقيل : بناء على الصوم والإحرام ، وبان بهذا أن من كرر الوطء في حيضة أو حيضتين ، أنه في تكرار الكفارة كالصوم ، فإن وطئها طاهرا ثم حاضت ، فإن استدام لزمته الكفارة ، وإن نزع انبنى على الخلاف هل هو جماع أم لا ؛ والمنصوص أنها تلزمه الكفارة ، لأنه وإن كان معذورا ، فهي واجبة بالشرع كالصوم ، وأن المرأة لا كفارة عليها ، وهو وجه ، لأن الإيجاب بالشرع لم يرد ، والمنصوص أن عليها الكفارة ككفارة الوطء في الإحرام ، ومقتضاه أنها إذا كانت مكرهة عالمة لا شيء عليها ، كالصبي لعدم تكليفه ، وظاهر كلامه ، واختاره ابن حامد أنها تلزمه للعموم ، وهما في القيمة ، والكفارة للفقراء ، وتجزئ إلى مسكين واحد كنذر مطلق ، وتسقط بالعجز عنها على الأصح ، وعنه : تلزمه بوطء دبر ، وهو غريب .

                                                                                                                          فرع : الوطء في الحيض ليس بكبيرة خلافا للشافعي ، وإنما شرعت الكفارة زجرا عن معاودته ، ولهذا أغنى وجوبها عن التعزير في وجه ( وعنه : ليس عليه إلا التوبة ) قدمه ابن تميم ، وجزم به في " الوجيز " وهو قول أكثر العلماء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد رواه ابن ماجه ، وضعفه البخاري ، ولأنه وطء نهي عنه ، لأجل الأذى أشبه الوطء في الدبر ، وكما لو وطئ بعد انقطاعه قبل غسلها في المنصوص ، وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد [ ص: 267 ] بن الخطاب قيل لأحمد : في نفسك منه شيء ؛ قال : نعم ، قال : ولو صح ذلك لكنا نرى عليه الكفارة .

                                                                                                                          تذنيب : بدن الحائض ، وعرقها ، وسؤرها طاهر ، ولا يكره طبخها وعجينها ، وغير ذلك ، ولا وضع يديها على شيء من المائعات ، ذكره ابن جرير إجماعا ، ولعل المراد ما لم يفسد من المائعات بملاقاة بدنها ، وإلا توجه المنع فيها ، وفي المرأة الجنب قاله في " الفروع " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية