الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              530- القلانسي

              ومنهم المؤانسي ، أبو عبد الله القلانسي ، كان بالعهد وافيا ، فكان الحق له في المعاطب ناجيا .

              حدثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الواحد بن بكر ، أن أبا عبد الله القلانسي ، ركب البحر في بعض سياحته فعصفت به الريح في مركبهم فدعا أهل المركب وتضرعوا ونذروا النذور ، وقالوا : أي عبد الله ، كلنا قد عاهدنا الله ونذرنا نذرا إن نجانا الله فانذر أنت نذرا وعاهد الله عهدا ، فقلت : أنا متجرد من [ ص: 161 ] الدنيا مالي والنذر ، فألحوا علي فقلت : " لله علي نذر إن يخلصني الله مما أنا فيه لا آكل لحم الفيل ، فقالوا : إيش هذا النذر ؟ وهل يأكل لحم الفيل أحد ؟ فقلت : كذا وقع في سري وأجرى الله على لساني ، فانكسرت السفينة ووقعت في جماعة من أهلها إلى الساحل فبقينا أياما لم نذق ذواقا ، فبينما نحن قعود إذا بولد فيل فأخذوه وذبحوه ، فأكلوا لحمه وعرضوا علي أكله فقلت : أنا نذرت وعاهدت الله أن لا آكل لحم الفيل ، فاعتلوا علي بأني مضطر ولي فسخ العهد لاضطراري ، فأبيت عليهم وثبت على العهد فأكلوا وامتلئوا وناموا ، فبينما هم نيام إذ جاءت الفيلة تطلب ولدها وتتبع أثره فلم تزل تشم الرائحة حتى انتهت إلى عظام ولدها فشمته ثم جاءت وأنا أنظر إليها فلم تزل تشم واحدا واحدا فكلما شمت من واحد رائحة اللحم داسته برجلها أو بيدها فقتلته حتى قتلتهم كلهم ثم أقبلت إلي فلم تزل تشمني فلم تجد مني رائحة اللحم فأدارت مؤخرها وأومأت بخرطومها أي اركب فلم أقف على ما أومأت فرفعت ذنبها ورجلها فعلمت أنها تريد مني ركوبها فركبتها فاستويت على شيء وطيء فسارت بي سيرا عنيفا إلى أن جاءت بي في ليلتي إلى موضع زرع وسواد وأومأت إلي أن أنزل فتدلت برجلها حتى نزلت عنها فسارت سيرا أشد من سيرها بي ، فلما أصبحت رأيت زرعا وسوادا وناسا ، فحملوني إلى ملكهم وسألني ترجمانه فأخبرته بالقصة وما جرى على القوم فقال لي : ما تدري كم السير الذي سارت بك الليلة ؟ فقلت : لا ، فقال : مسيرة ثمانية أيام ، سارت بك في ليلة فلبثت عندهم إلى أن حملت ورجعت " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية