الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              514 - محمد بن إسحاق

              ومنهم المتشمر للحاق ، المتحرز من الفراق ، المتجرد للسباق الكوفي أبو عبد الله محمد بن إسحاق ، كان على فوت الساعات ضنينا ، ويجد من فوت وقته أنينا وحسرة وحنينا .

              حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر ، ثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد الأموي قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : قال بعض الحكماء : " الأيام سهام والناس أغراض ، والدهر يرميك كل يوم بسهامه ، ويستخدمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق جميع أجزائك ، فكم بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك وسرعة الليالي في بدنك ؟ لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص وما هي عليه من هدم ما بقي منك ، لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك ، واستثقلت ممر الساعات ، ولكن تدبير الله فوق الاعتبار ، وبالسلو عن غوائل الدنيا وجد طعم لذاتها ، وإنها لأمر من العلقم إذا عجمها الحكيم ، وأقل من كل شيء يسمى القليل ، وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها ، وما تأتي به من العجائب مما يحيط به الواعظ ، نستوهب الله رشدا إلى الصواب " .

              قال : وحدثني محمد بن إسحاق قال : قيل لبعض الحكماء : صف لنا الدنيا ومدة البقاء ، فقال : " الدنيا وقتك الذي يرجع [ ص: 151 ] إليك فيه طرفك ; لأن ما مضى عنك فقد فاتك إدراكه وما لم يأت فلا علم لك به ، يوم مقبل تنعاه ليلته وتطويه ساعته ، وأحداثه تتناضل في الإنسان بالتغيير والنقصان ، والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل وتنقل الدول ، والأمل طويل والعمر قصير ، وإلى الله الأمور تصير " .

              قال محمد بن إسحاق : وقال رجل من عبد القيس : " أين تذهبون ؟ بل أين يراد بكم ؟ وحادي الموت في أثر الأنفاس حثيث موضع ، وعلى احتياج الأرواح من منزل الفناء إلى دار البقاء مجمع ، وفي خراب الأجساد المتفكهة بالنعيم مسرع " .

              حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، ثنا عبد الله بن محمد العطشي المقري ، ثنا إبراهيم بن الجنيد قال : وجدت هذه الأبيات على ظهر كتاب لمحمد بن الحسين البرجلاني :


              مواعظ رهبان وذكر فعالهم وأخبار صدق عن نفوس كوافر     مواعظ تشفينا فنحن نحوزها
              وإن كانت الأنباء عن كل كافر     مواعظ بر تورث النفس عبرة
              وتتركها ولهاء حول المقابر     مواعظ إن تسأم النفس ذكرها
              تهيج أحزانا من قلب ثائر     فدونك يا ذا الفهم إن كنت ذانها
              فبادر فإن الموت أول زائر



              قال إبراهيم : وحدثني محمد بن الحسين قال : حدثت عن عبد الله بن الفرج العابد أنه قال له رجل : يا أبا محمد ، هؤلاء الرهبان يتكلمون بالحكمة ، وهم أهل كفر وضلالة فمم ذلك ؟ قال : ميراث الجوع ، متعت بك ، ميراث الجوع ، متعت بك .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية